(( من أتى كاهنًا فصدّقه فيما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد ) )-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهاذه العقوبة غليظة وعظيمة، لكن هل هي معارضة للعقوبة السابقة؟ الجواب: ليست معارضة؛ لأن العقوبة السابقة مرتبة -كما في صحيح مسلم على المجيء والسؤال، ولم يُذكر فيها التصديق، فمن جاء وسأل الكهان فإنه متوعد بهاذه العقوبة سواء صدق الكاهن في قوله أو لم يصدقه، وأما قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أُنزل على محمد ) )فقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( فقد كفر بما أنزل على محمد ) )يحتمل أنه الكفر المخرج عن الملة، ويحتمل أنه الكفر الذي لا يخرج به الإنسان عن الملة، بل هو كفر دون كفر، فإذا صدق الرجل الكاهن فيما يخبر به من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله كأن يقول: غداً سيأتيك كذا وسيحصل لك كذا من أمور الغيب فإنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة؛ لأنه كذّب القرآن في كون الغيب لا يعلمه إلا الله، أما إن سأله في أمر يغيب عنه ويعلمه غيره، أو سأله ويعلم أن الكاهن إنما يخبر فيما يخبر به من أمور الغيب استناداً إلى استراق السمع وما تخبر به الجن، فإنه لا يكون بذلك كافراً كفراً أكبر؛ بل هو كفر دون كفر، فيكون كفراً موصوفاً بالكفر الأصغر، ومتوعّداً بقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً ) )أو (( أربعين ليلة ) )فتجتمع له العقوبتان:
* الوصف بالكفر.
* وأنه لا تُقبل له صلاة أربعين ليلة.
ومن هاذا نعلم أنّ الجمع بين العقوبتين في الحديثين، هو باعتبار اختلاف أحوال الناس، أحوال الآتين إلى الكهّان، فلا يخلو الآتي إلى الكاهن من أحوال:
الحالة الأولى: أن يصدقه في ادّعائه علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وعلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله هو العلم بالغيب المستقبَل، فهاذا كافر كفراً أكبر.