الصفحة 439 من 952

أحسن ما وقفت عليه من التفريق بين الجبت والطاغوت أن الجبت يطلق على الأفعال والطاغوت يطلق على الأشخاص، ولذلك قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ كما سيأتينا-: (( إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت ) )وهاذه أشخاص أو أفعال؟ أفعال، فدلّ هاذا على أن الجبت يطلق على الأفعال.

وأما الطاغوت فإنه يطلق على الأشخاص، وهاذا يستفاد أيضاً من تفسير عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حيث فسر الجبت بالسحر والطاغوت بالشيطان، فجعل الجبت فعلاً والطاغوت شخصاً، وهاذا أجود ما وقفتُ عليه من التفريق بين الجبت والطاغوت.

والجبت يشمل أوسع من هاذا، يشمل السحر، وسيأتينا كذلك أن العيافة والطرق والطيرة كلها من الجبت؛ لأنها من الباطل، فالجبت يطلق على كل فعل باطل من أفعال الجاهلية، والطاغوت يطلق على كل شخص يحصل به الطّغيان.

وقد تقدّم لنا بيان معنى الطاغوت وأنه اسم جنس لكلّ ما عبد من دون الله -عز وجل- وهو راض، أو لم يرضَ؛ لأنه طاغوت لا بذاته لكن باعتبار الافتتان به، وهاذا التعريف ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- فقال: الطاغوت اسم جنس لكل من عبد. ويضاف إليه أيضاً: أو كان رأسًا في الضلالة. وشيخ الإسلام ذكر أيضاً تفسيراً آخر في موضع آخر للطاغوت قال: هو اسم للكاهن والساحر والرمال والعراف والدرهم والدينار وغير ذلك، والمقصود أن الطاغوت يطلق على كل ما هو سبب للطغيان ومجاوزة الحد.

فكل ما يحصل للناس به مجاوزة للحد فإنّه طاغوت، ووزن طاغوت على وزن فعلوت، هاذا الوزن يأتي لإفادة المبالغة، أي المبالَغ فيه في الطّغيان والمجاوزة.

شيخ الإسلام ذكرها في رحموت وملكوت، وفعلوت، قال: هي على هاذا النحو: ومَلَكُوت، لا تقول: مَلْكوت ورَحْموت، إلا إن كان فيها لغة ما أدري، فتكون هنا طغَيوت صحيح لكن ملكوت كذلك صحيح، تصير أصلها طغيوت يعني أصل الفعل: طغيوت، فإذا كانت أصلها طغيوت فتمشي على هاذا البناء بالفتح.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام