الصفحة 398 من 952

نقول: الأعياد لا عادات فيها، الأعياد عبادات، شرائع، ولذلك لما رأى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احتفال الأنصار بشيء مما كانوا يحتفلون به في الجاهلية نهاهم وقال: (( إن الله أبدلكم بهما عيد الفطر وعيد الأضحى ) ).

فنعود إلى قوله: (( لا تجعلوا قبري عيدًا ) )النهي أن يُجعل قبره محلاًّ للاجتماع المعتاد، نهى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يُجعل قبره محلاًّ لاجتماع معتاد، أي اجتماع يعود كل شهر أو كل سنة أو كل يوم أو كل صلاة أو كل دخول للمسجد.

ولذلك كره الإمام مالك -رحمه الله- أن يؤتى إلى القبر للسلام في كلِّ دخول، وقال: لم ينقل عن السلف فعلُه إلا في السفَر والقدوم من السفر.

وغاية ما نُقل في ذلك عن ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، ونُقل عن أنس أيضًا، لكنه لم يكن هديًا عامّاً للصحابة أنهم إذا سافروا أو قدِموا أتوا إلى القبر ليسلموا على النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويزوروا قبره.

فلم يفعله أبو بكر، ولم يفعله عمر، ولم يفعله عثمان، ولم يفعله علي، ولم يفعله سائر الصحابة، وإنما نُقل عن ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وعن أنس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، ومن عداهما فلم يُنقل عنه ذلك، مع أنَّ هاذا أمر يُهتم به ويُستشرف له، فلما كانوا لم يفعلوه لم ينقل عنهم -رَضِيَ اللهُ عَنْهم-.

فلذلك نهى الإمام مالك -رحمه الله- عن الزيادة في هاذا الأمر على ما ورد عن الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، فقال: يكره أن يأتي إلى القبر كلما دخل المسجد كما هو فعل بعض الناس الآن، أو كل يوم أو ما أشبه ذلك، لا يأتيه إلا عند السفر أو القدوم من السفر؛ لأن هاذا هو الذي ورد فعله عن بعض الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-.

والإمام مالك -رحمه الله- كره أيضًا أن يقول القائل: زرتُ قبر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لما في ذلك من اتخاذه عيدًا.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام