الصفحة 399 من 952

والإمام مالك من أشد الأئمة احتياطًا في هاذا الأمر، وانظر كيف كان الاحتياط من إمام دار الهجرة؛ لأنه -رحمه الله- يشهد ما يفعله بعض الناس، ويعي وينظر ما يمكن أن يؤول إليه الأمر من كثرة المجيء، من التعظيم واتخاذ القبر عيدًا.

(( لا تجعلوا قبري عيدًا ) )أي: لا تجعلوه محلاًّ للاجتماع زماناً وكذلك مكانًا.

قال: (( وصلوا عليَّ، فإنَّ صلاتكم تبلغني حيث كنتم ) )وهاذا كالموجه لهم والمبيِّن لهم أن الصلاة لا تقترن بالمجيء إلى القبر. فمن ظن أنه لا يتحقق له الصلاة على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا بالمجيء إلى القبر فقد أخطأ الفهم، فإنّ الصلاة لا تختص بالمكان، ولذلك قال: (( صلوا عليَّ، فإن صلاتكم تبلغني ) )يعني حيثما كنتم. ولذلك قال: (( حيث كنتم ) ). فلا مزية لمن صلى على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند قبره.

وما ورد من أنه: (من صلى عليَّ عند قبري -أو: من سلَّم علي عند قبري- سمعته، ومن صلى علي في غيره بلغته) . فإنَّ هاذا الحديث لا يصح، فيه متروك فلا يثبت سندًا، كما أنه في الحقيقة لا يثبت متنًا، ولا يثبت واقعًا الآن؛ لأنه لا يمكن أن يأتي أحدٌ إلى القبر، فكلُّ من وقف على موضع الوقوف الآن من أي جهة كانت من جهات القبر أو من جهات الحجرة فإنِّه لا يتمكن من السلام على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سلامًا يسمعه؛ لأن بينه وبينه مسافة، وبينه وبينه أبواباً، فلا يمكن أن يتحقق هاذا الذي ذُكِر في هاذا الحديث الضّعيف.

على كلٍّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجَّه الأمة إلى الصلاة عليه في كلّ مكان، وأن لا يقيدوا ذلك وأن لا يربطوه بالمجيء إلى قبره، بل قال: (( صلوا عليّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ) ).

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام