مناسبة هاذه الآية للباب: أنها ظاهرة في أنَّ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يترك خيرًا إلا دلَّ الأمّة عليه، ولم يترك شرّاً إلا حذّرها منه، ومن أعظم الخير الذي دعاها إليه التّوحيد، ومن أعظم الشّر الذي حذرها منه الشرك، فقد بلَّغ في هاذين البلاغ المبين، وأدى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أمره الله به من البيان والبلاغ.
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- بعد هاذه الآية حديثين:
الحديث الأول يقول: (عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:(( لا تجعلوا بيوتكم قبورًا ) )).
نهى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن جعل البيوت قبورًا، وقال الشرَّاح في هاذا النهي: إن له معنيين:
المعنى الأول: النهي عن الدفن في البيوت، وهاذا ما عليه أهل الإسلام، فإنَّ أهل الإسلام عملوا على ألا يكون دفن في البيوت، بل من مات منهم نُقِل إلى المقابر في غير البيوت. ولم يدفن أحد في بيته إلا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لما ورد من أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (( الأنبياء يدفنون حيث يموتون ) ). ولمِا ذكرت عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- من الخشية أن يتخذ قبره مسجدًا.
والمعنى الثاني لقوله: (( لا تجعلوا بيوتكم قبورًا ) )ما ثبت في الصحيحين من قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (( اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا ) )فالمعنى في قوله: (( لا تجعلوا بيوتكم قبورًا ) )أي: لا تجعلوها مهجورة من العبادة والطاعة كما هي حال المقابر، فإنَّ المقابر ليست محلاًّ للطاعة والعبادة، فهي مهجورة من العبادات والطاعات لا تقصد لذلك، وما يكون من عبادة وطاعة كالدعاء -مثلاً- أو الصلاة على المقبور إنما هو على وجه التّبع، وليس مقصودًا لذاته.