الصفحة 395 من 952

{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} ثم قال -بعد ذكر هاذين الوصفين العامين لجميع الناس، وليست الآية خاصة بالمؤمنين، بل هي لجميع من خوطب بقوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} . أما ما يختصّ المؤمنين فهو قوله تعالى-: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} وهاذا فضل على فضل، إذا كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع عموم الناس المسلم والكافر يشق عليه ويصعب عليه ما يكون من أسباب المشقة لهم، ويحرص على إيصال كل خير لهم فكيف بالمؤمنين؟ الأمر أعظم وأشد، ولذلك قال: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} الرأفة هي أعلى درجات الرحمة. {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} وأما غيرهم فليس لهم من هاذين الوصفين نصيب، بل لهم ما يكمل به إقامة الحجّة عليهم من قوله تعالى: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} .

وبهاذا نعلم أنَّ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد بلَّغ البلاغ المبين، فإنَّه لم يمنعه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما لقيه من المشركين، ولم تمنعه عداوة المعتدين عليه، والمعادين له من أن ينصحهم، وأن يبلِّغهم البلاغ المبين، بل بلَّغ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ- البلاغ المبين مع شدة عداوة خصومه له، مع أنَّ مقتضى الجِبِلّة وما يفعله كثير من الناس أنه إذا اُعتدي عليه منع الخير الذي عنده، لكن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ- سَلِم من هاذا، فكان مبلغًا لما أوحي إليه بلاغًا تامّاً مبينًا.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام