الصفحة 394 من 952

{رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} من أنفسكم: أي من جنسكم، فلم يكن من الجن، ولم يكن من الملائكة، ولا من غيرهم.

ثم بعد أن بيَّن هاذا وهو وصفه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأول ذكر أوصافًا أخرى فقال: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} ؛ {عَزِيزٌ} : أي يَشُقُّ عليه ويصعب عليه ويلحقه العنت أن تنزل بكم مشقةٌ أو صعوبةٌ، فمعنى {عَزِيزٌ} أي: يصعب، أو صعب عليه، أو يشق عليه.

{مَا عَنِتُّمْ} أي ما يشقّكم ويلحقكم العنت والشدة، وهاذا من تمام نصحه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للأمة، وإذا أردت أن تعرف ذلك فاقرأ قول الله تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [1] . أي: مهلك نفسك أن لم يتبعوك، وهاذا فيه بيان عظيم ما كان يلحقه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الألم والشدة والمشقة بسبب إعراض الناس، لا لكونهم أعرضوا عنه لكن لكونهم أوقعوا أنفسهم في الهلكة، فإنَّ من أعرض عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعمّا جاء به قد وقع في الهلاك وكان من الخاسرين.

{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} يفيد منع كل ما يضرّ.

{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} فيه إفادة أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حريص على أن يوصل للأمة كل ما ينفعها، فهو يمنع عنها كل ما يلحقها المشقة والضرر، ويسعى في إيصال كلِّ ما يوصلها إلى الفضلِ والخير والنفع، وبهاذا يكتملُ الوصف، فإنَّ من كان على هاذه المنزلة في معاملته للناس كان من أكمل الناس نصحًا لهم.

(1) سورة: الشعراء، الآية (3) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام