الصفحة 383 من 952

ثم إن اللعن في حديث: لعن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زوارات القبور. يدلُّ من حيث الجملة على أنَّ هاذا الفعل من المحرَّمات؛ لأنّ ما كان سببًا للعن وجب على المؤمن أن يتوقّاه وأن يحذر منه، ولذلك في المحرَّمات ينهى الله -جل وعلا- عن مقدّماتها فضلاً عن مواقعتها:

قال الله جل وعلا: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [1] فنهى عن قربان الزنى، وهو ما يكون من مقدِّماته، فلعن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزوارات يدلُّ على تحريم الزيارة؛ لأنه لا يتأتى الانفكاك والتخلّص من سبب اللعن إلا بالهجر التام الكلي.

وقد عارض بعض أهل العلم هاذا الحديث، حديث: لعن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زوارات القبور. بما في الصحيحين من حديث أنس: أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى امرأة عند قبر تبكي، فقال لها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( اتقي الله واصبري ) ). ثم إن المرأة قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ... لم تعرفه، فلما عرفته جاءت واعتذرت.

قالوا: إنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينكر عليها الزيارة، إنما أنكر عليها البكاء والضجر وعدم الصبر، والصحيح أنه أنكر عليها الأمرين إن كان هاذا الحديث قد وقع بعد النهي عن الزيارة؛ لأن الحديث لا يخلو من حالين:

(1) سورة: الإسراء، الآية (32) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام