الصفحة 384 من 952

إما أن يكون قد وقع بعد نهي رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النساء عن زيارة القبور، ففي هاذه الحال نقول: قوله: (( اتقي الله واصبري ) )هو نهي عن مجمل ما فعلت من المحرَّمات؛ لأن التقوى هي أن يجعل بينه وبين عذاب الله وقاية، وقد ثبت وصح أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعن زائرات القبور، فيدخل في جملة (( اتقي الله واصبري ) )؛ لأنه ما حملها على المجيء إلا قلة صبرها، ما حملها على مواقعة المعصية وزيارة القبر إلا قلة صبرها.

وإما أن يكون الحديث قبل النهي، فيكون منسوخًا بقوله: لعن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زائرات القبور.

فعلى الاحتمالين لا دلالة في هاذا الحديث على جواز زيارة النساء للقبور.

احتجوا أيضًا بأنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علَّم عائشة ما يقوله الإنسان إذا أتى المقابر، وقالوا: هاذا دليل على الجواز.

نقول: إن مطالعة سياق الحديث يتبيَّن بها أنَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يأذن لها في الزيارة، وأنَّ الذي وقع منها ليس زيارة، إنما تبعته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما رجع سألته عما يقول من يأتي القبور، فأرشدها -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ما تقول، فما وقع من عائشة ليس بزيارة إنما هو مرور، وتعليم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إيَّاها الذِّكر فهاذا لا إشكال فيه؛ لأنَّه قد يتعلم الإنسان ما لا يحتاجه لينقله إلى غيره، كما أنَّ الرجال يتعلمون أحكام الحيض وهم لا يحيضون ولا يحتاجون إلى ذلك في أنفسهم، فكذلك ما نقول إذا نقل الحديث من أحاديث الرجل؟ نقول: هاذا الحديث يدلُّ على أنَّ الرجال تحيض، أو: إنَّ الحكم يتعلق بالرجال؟ لا يمكن هاذا، فلا يلزم من كون المرأة تنقل ما تمنع منه من الأذكار أو ما أشبه ذلك أن يكون هاذا الذكر لها؛ لأن الإنسان يتعلم لنفسه ولغيره.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام