والدعاء هنا باللعن هو سؤال الله -عز وجل- الإبعادَ والطرد عن الرحمة، ويأتي مثلُ هاذا في الكبائر، ويأتي مثل هاذا في الشرك، كما قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) ). وهنا لعن الزيارة، فاللعن لا يدل على مرتبة المعصية - من حيث الشرك وعدمه- إنما يدلُّ على أنّ هاذا من الذنوب الكبار العظام، ثم تعرف مرتبة الذنب من الشرك وعدمه من النصوص الأخرى، وقد تبين في النصوص الأخرى أن اتخاذ القبور مساجد من الشرك والكفر بالله عز وجل؛ لأنه سبب لها، وأما هنا فهو كبيرة من كبائر الذنوب، وإثم من عظائم الآثام؛ لأنَّه يؤول بأصحابه إلى الشرك.
(لعن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زائرات القبور) . زائرات: جمع زائرة، وهي التي تزور القبر، ولو كان قبرًا واحدًا، وهاذا الحديث يدل على تحريم زيارة القبور للنساء.
وقد جاء بلفظ آخر عند الإمام أحمد وغيره: (( لعنَ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زوّارات القبور ) ). وزوارات: صيغة مبالغة، وهن اللواتي يكثرن الزيارة.
فقال بعض العلماء: إنَّ المنهي عنه هو كثرة الزيارة لا أصلها، وأما أصل الزيارة فإنَّه جائز أو مكروه لكنه لا يصل إلى درجة التحريم؛ لأن اللعن هو للكثرة.
لكن الصحيحَ أنَّ اللعن لأصل الزيارة؛ لهاذا الحديث، وهاذا الحديث ضعَّفه بعض أهل العلم؛ لأنه من رواية أبي صالح مولى أم هانئ عن ابن عباس ولم يسمع منه، ولكن الصحيح أن الحديث له من الشواهد ما يدل على ثبوته وصحته، وقد صححه شيخ الإسلام -رحمه الله- واحتج به، وكذلك صححه ابن القيم في موضع، والحديث قوي في دَلالته على تحريم الزيارة.
وأما حديث: لعن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زوارات القبور. فإنَّه لا يعارض هاذا؛ لأنَّ اللعن توجه إلى أصل الزيارة وإلى الإكثار منها.