وكلُّ هاذه الصور داخلة في تحذير النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن اتخاذ القبورِ مساجد.
قال: قالت عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها، في بيان وتفسير قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (((لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) )، يُحَذِّرُ ما صنعوا). أي: يحذر من الذي صنعوا ومن الذي وقعوا فيه، وهو اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد.
ثم قالت رضي الله عنها: (ولولا ذلكَ) . يعني: ولولا خشية أن يُتخذ قبره -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مسجدًا (أُبرز قبره) . غير أنه خُشي أن يُتخذَ مسجدًا.
وهاذا المقطع من الحديث من كلام عائشة رضي الله عنها، فيه أن الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- إنما امتنعوا من دفن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قبور المسلمين في البقيع لأجل هاذه العلة؛ لأنها قالت: (ولولا ذلك أبرز قبره) . أي: أظهر، ومعنى الإبراز أي الإظهار عن المكان الذي هو فيه بعد موته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الحُجرة، حجرة عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها-.
غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجدًا، والذين خشوا هم الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-.
وفي بعض الشروح ذكر أنه بفتح الخاء يعني: (خَشِي) فيكون الذي خشي هو رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قال ابن القيم رحمه الله: ومعنى قولها: خُشي -بضم الخاء- أي: الصحابة، يعني: هم الذين خشوا هاذا، ولم تقع الخشية من رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.