وعلى كل حال هاذا لا يعارض أن دفنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان بنص؛ لأن دفن الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن عن اجتهاد، بل كان عن نص وهو قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( الأنبياء يدفنون حيث يموتون ) ). وقد سمعوا مناديًا يؤكِّدُ هاذا الأمر بعد وفاته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم أجمع الصحابة رضي الله عنهم على دفنه في حجرته، ويكفي دليلاً في صحة ما فعلوا رضي الله عنهم لو لم يرد نص.
فقولها: (لولا ذلك أُبرز قبره) . كأنَّه نوع تعليل للفعل، وإن كان الفعل قد ثبت بنص، وهاذا لا معارضة، يعني: لا إشكال فيه، ولا يعارض أن يكون الحكم ثابتًا بالنص؛ لأن الحكم يثبت بنص ويثبت بتعليل، فهي أثبتت العلة التي من أجلها دفن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجرته.
ومن هاذا نعلم أن قبر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يبن عليه، فمن يستدل على جواز بناء المساجد على القبور بأنَّ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دفن في بيته نقول:
هاذا أولاً: خاص بالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وثانيًا: أنه لم يبن عليه، البناء قائم قبل موته، ثم إنَّ دفنَه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيته بنص منه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قول المؤلف -رحمه الله: (ولمسلم عن جُنْدُب بن عبد الله قال: سمعت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يموت بخمس وهو يقول:(( إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ) )).