(( لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) )وهاذا الحديث يفيدُ أنَّ اليهود والنصارى وقع فيهم الغلو، أما النصارى فلا إشكال أن الغلو قد وقع فيهم، وأنهم من أشد الأمم غلوّاً وتجاوزًا للحدود بما لم يُشرَع. وأما اليهود فقد وقع فيهم الغلو لكنه قليل.
وقد طعن بعض من في قلبه مرض في هاذا الحديث وقال: إنَّ هاذا الحديث لا يثبت؛ لقوله: لعنة الله على اليهود والنصارى، واليهود ليسوا أهل غلو. فالجواب: أنهم وقعوا في الغلو وإن كان ليس وصفًا ظاهرًا عندهم، اليهود وقعوا في الغلو ولكنَّه ليس من الأوصاف الظاهرة فيهم، وإلا فالغلو مسجل عليهم في كتاب الله عز وجل، قال الله جل وعلا: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [1] . وهاذا غلو ولا إشكال ولا يماري فيه أحد، حيث تجاوزوا بعُزَير منزلته فجعلوه ابنًا لله تعالى، ولكنَّه في النصارى أكثر كما تقدم.
يقول: (( لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) )ولم يقتصروا على ذلك، لكنَّه هاذا هو الغالب فيهم، بل هم اتخذوا قبور أنبيائِهم وصالحيهِم كما دلَّ عليه حديثُ أمِّ سلَمة: (( أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور ) )فهاذا ليس تخصيصًا، إنما هو ذكر لمنشأ وأصل ما وقعوا فيه من الغلو.
وقوله: (( اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) )لم يبيِّن صفةَ الاتخاذ كيف اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وقد جاء في الحديث السّابق أنهم بنَوا عليها مساجد، فهاذا من صوَر اتّخاذ القبور مساجد: البناء عليها، إذًا:
من صور اتخاذ القبور مساجد أن يُبنى عليها بناء.
من صور اتخاذ القبور مساجد: أن يُصلّى عندها؛ لأنَّه إذا صُلي عندَها فقد اتُّخِذت مسجدًا كما سيتبين من كلام المؤلف رحمه الله.
الصورة الثالثة من صور اتخاذ القبور مساجد هي: الصلاة إليها.
(1) سورة: التوبة، الآية (30) .