ذكر ابن القيم -رحمه الله- أنَّ رواية البخاري فيها أنها ذكرت ذلك في مرض موته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فيكون هاذا الحديث ثاني ما ورد فيه التنفير والتحذير من عبادة القبور ومن تعظيم القبور في سياق الموت، كما سيأتينا في الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله، وأم سلمة رأت ذلك لما كانت في أرض الحبشة في الهجرة الأولى.
(وما فيها من الصّور) . أي: وذكرت ما فيها من الصور التي تُعَلَّق وتعظم وتعبد من دون الله -عز وجل-، فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: (( أولئك ) )أي: الذين ذكرتِ (( إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدًا ) ). أي: بنَوا على قبره محلاًّ للعبادة.
ثم قال: (( وصوروا فيه تلك الصور ) )يعني: التي رأيتها، فتلك الصور من صنيع هؤلاء.
ثم ذكر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- -بعد أن وصف فعلهم- حُكمَ ذلك الفعل، فقال: (( أولئكِ شرار الخلق عند الله ) )أي: من ذكرتِ (( شرار الخلق عند الله ) )فهم أشدُّ الناسِ شرّاً، أو من أشد الناس شرّاً عند الله -عز وجل-؛ لكونهم أخرجوا الناس مما خُلِقُوا له وهو عبادة الله -عز وجل- إلى الشرك، فإنَّ الله -عز وجل- خلق عباده حنفاء، كما في الحديث الإلهي: (( خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين ) ). والشياطين هنا يشمل شياطين الإنس وشياطين الجن، اجتالتهم وحرفتهم عن الحنيفية.
وقوله: (( شرار الخلق عند الله ) )ذِكر العِندية هنا لبيان سوء حالهم ومنقلبهم، وأنهم شرّ من يقدم على الله جل وعلا، وإلا فكان يكفي في وصفهم بالسوء الاقتصار على قوله: (( أولئك شرار الخلق ) )كما في الحديث الذي ذكره المؤلف في آخر الباب: (( إنَّ من شرار الناس ) )ولكن ذكر العندية هنا لبيان شِدَّة ما فعلوا وعظيم ما اقترفوا.
وقد تكلَّم العلماء -رحمهم الله- في ما يفيده هاذا القول من رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، هل هو حكم بالكفر؟