قال رحمه الله: (باب ما جاء في التغليظ) . التغليظ أي: التنفير الشديد (فيمن عبد الله عند قبر رجلٍ صالحٍ) . عبد الله بأي نوع من أنواع العبادة: من صلاة، أو دعاء، أو قراءة أو غيرِ ذلكَ من العبادات، كالذَّبْحِ والطواف وما أشبه ذلك، مع أنّ الطواف لا يمكن أن يُمَثل به؛ لأنه لا يتعبد لله -عز وجل- بالطواف بغير الكعبة، فالطواف له محل خاص لا يكون في غيره عبادة وهو البيت، فإنَّه مما يختص بالبيت، لكن التمثيل بسائر العبادات سائغ.
يقول: (باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح) . يشمل الأنبياء والأولياء والشهداء وسائر من اتصف بالصلاح، ولو كان الصلاح في ظن الشخص، يعني: لا يشترط أن يطابق الصلاح حالَ هاذا المقبور، ولذلك يُذكَر أنهم يعبدون قبورًا لا يُعرف أهلها بالصلاح ولا بالطاعة، بل يذكر أنهم يعبدون قبورًا ويعظمونها والمقبور فيها حيوان، كحمار أو كلب يظنونه صالحاً، وهاذا واقع.
ويُذكر أنهم أيضاً يعبدون ويعظمون بعض ما يعظمه النصارى من قبور القسيسين والأحبار، بل إنَّ من الذين وقعوا في هاذه البدعة وهي بدعة التعظيم من يعظمون أحبار اليهود والنصارى، لا سِيَّما النصارى، يعظمون أحبار النصارى وهم على كفرهم ويرجون منهم البركة، يعني: من الأحياء لا من الأموات، وهاذا ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله-، وكذلك أظن ابن القيم ذكره في بعض كتبه، عمّن وقع في الشرك من أهل زمانهم.
يقول -رحمه الله- بعد الترجمة: (في الصحيح عن عائشة أن أم سلمة ذكرت لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنيسةً) أم سلمة هي زوج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وذكرت لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هاذه الكنيسة وهي محلُّ عبادة النصارى، رأتها بأرض الحبشة، ولم يبيِّن الحديث متى ذكرت ذلك.