الصفحة 354 من 952

فقد نهى عنه في آخر حياتِه، ثم إنه لعن -وهو في السياق- من فعله، والصلاة عندها من ذلك، وإن لم يُبْنَ مسجد، وهو معنى قولها: خُشِيَ أن يُتَّخَذَ مسجدًا، فإنَّ الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدًا، وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتُّخذ مسجدًا، بل كل موضع يصلى فيه يُسمى مسجدًا، كما قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا ) ).

ولأحمدَ بسند جيد عن ابن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مرفوعاً: (( إنَّ من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد ) ). ورواه أبو حاتم في صحيحه.

[الشرح]

فمناسبة هاذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة: فإنَّ من أعظم ما يخرج به الناس عن التوحيد العبادة عند القبور، فإنَّ العبادة عند القبور من أعظم أسباب الشرك، وهي أقرب إلى الشرك بأهل القبور، لا سِيَّما إذا كان المقبور صالحًا من عبادة الأصنام والأخشاب والأحجار التي يعبدها كثير من الناس.

فلما كانت عبادة الله -عز وجل- عندَ القبورِ من أسبابِ الشرك احتاج المؤلف -رحمه الله- إلى بيان ذلك، وذكر ما ورد عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هاذا الأمر.

أما مناسبة هاذا الباب لما قبله: فهو ذكرٌ لصورة من صور الغلو في الصالحين، فإنَّه في الباب السابق ذكرَ أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين، وفي هاذا الباب ذكر صورة من صور الغلو في الصالحين، وهي عبادة الله -عز وجل- عند قبر رجلٍ صالح، فإنَّها من أعظمِ الوسائل والأسباب التي تُوقِعُ في الشرك، وهي من صور الغلو في هاذا الرجل الصالح.

اتضحت مناسبةُ الباب لكتاب التوحيد، ومناسبة الباب للباب الذي قبله.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام