فلا إلاه إلا الله معناها: أي لا معبود حقٌّ إلا الله كما تقدم، وهاذا ما لا يرضاه أهل الجاهلية؛ لأنهم تعجبوا من ذلك غاية العجب، فقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هاذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [1] . فجعلوه مما يُستغرب منه ويُندهش منه ويُتعجب منه أن يختصر هاذه الآلهة المتعددة التي يعبدونها في إلاه واحد، وما ذلك إلا لفساد عقولهم، وفساد فِطَرِهم، وإلا فالفِطَر مركوز فيها أن لا تعبد إلا إلهاً واحدًا، ولذلك هم في الشدائد عند نزول كربهم يتركون هاذه الآلهة ولا يتوجهون إلا إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
قال: (فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أعاد عليه أي شيء؟ أعاد عليه العرض السابق: (( قل: لا إلاه إلا الله، كلمة أُحاج لك بها عند الله ) )وهاذا فيه أنه ينبغي لمن يدعو إلى الله عزّ وجل أن لا يَمَل وأن لا يَكل، بل ينبغي له أن يواصل في الدعوة إلى الله عز وجل وهداية الخلق مهما كانت دِعاية المقابلين، ومهما كانت حججهم، فحججهم شُبَه؛ ولذلك لم يتعرّض رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى مقالتهم، بل أعاد الحق فقط دون أن يتعرّض لما عرضاه؛ وهاذا لأن المقام ليس مقام مناقشة ومجادلة؛ بل هو مقام دعوة وإنقاذ، ولذلك باشر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الدعوة إلى لا إلاه إلا الله دون أن يتعرض إلى ملة عبد المطلب، ودون أن يقول: هي ملة باطلة، اتركها، احذرها، تقع بسببها في النار، بل أعاد الحق الذي يدعو إليه، وفي الدعوة إلى الحق كفاية في إبطال الباطل.
(فأعاد عليه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تلك المقالة، فعادا) أي: أعاد أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية تلك المقالة السيّئة التي صدَّت عن التوحيد وصدَّت عن الإيمان بألوهية الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
(1) سورة: ص، الآية (5) .