ومن أنواع المحبة التي قد تندرج في بعض ما تقدّم محبة القرابة، فقد تكون من إلف، وقد تكون من رحمة، وقد تكون محبة طبيعية كمحبة الوالد لولده. المهم أنَّ من العلماء من قال: إننا لا نحتاج إلى تقدير؛ بل نقول: {أَحْبَبْتَ} أي: أحببته لذاته، وذلك أنّ أبا طالب دافع عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مدافعة عظيمة، وأبلى في ذلك بلاءً بيّنًا واضحًا، حتى إن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حزن على موته، وحزن على عدم استجابته حزنًا عظيمًا، فقولان لأهل العلم في توجيه قوله تعالى: {مَنْ أَحْبَبْت} ؛ {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء} .
{لَكِنَّ اللَّهَ} هاذا استدراك لبيان لمن أو ممن تكون الهداية. {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء} . فالهداية منه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وهي منه وفق مشيئته، والمشيئة حيث ذكرت مضافة إلى الله عز وجل فاعلم أنها مشيئة مقترنة بالحكمة، فإنَّ الله -جل وعلا- لا يفعلُ شيئًا إلا لحكمة، فهو الحكيم الخبير
-سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ذو الحكمة البالغة والقدرة النافذة، فمشيئته -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مقترنة بحُكمِه.
{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء} والهداية التي نفاها عن غيره وأثبتها له هي هداية التوفيق والإلهام والعمل.
ذكر المؤلف -رحمه الله- سبب نزول هاذه الآية حتى يتضح المعنى اتضاحًا جليّاً، فقال رحمه الله: (في الصحيح عن ابن المسيِّب) ويقال: ابن المسيَّب، مع أن بعض العلماء نقل عنه قوله: سيَّب الله من سيَّبَنِي، فنحتاج إلى تحقيق: هل هو المسيِّب أم المسيَّب، هما وجهان يقرأ بهاذا وبهاذا، لكن المشهور: المسِّيب.