الصفحة 312 من 952

فبعد أن بين ما بين كأنه يقول: فمن لم يقتنع بذاك فليس عليك هدايته، إنما هدايته إلى الله جل وعلا، فأنت قد قمت بهداية البيان والتوضيح وإقامة الحجة، وأما هداية العمل والتوفيق والامتثال فهاذه إلى الله جل وعلا، فلعل هاذا من مقاصد المؤلف -رحمه الله- بهاذا الباب.

هاذا الباب ذكر فيه -رحمه الله- آيةً وحديثًا، الآية هي قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء} [1] الخطاب في هاذه الآية لمن؟ للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو المخاطَب بهاذه الآية. {إِنَّكَ} أي: يا محمد {لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} . والهداية المنفية تقدم لنا أنها هداية العمل، هداية التوفيق، هداية الإلهام، هاذه لا تكون لأحد، فهي منفية عن كل أحد ولا تكون إلا لله جل وعلا.

{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} . (من) هنا موصولة بمعنى: الذي. {أَحْبَبْتَ} ولم يذكر في صلة الموصول العائد، وهو الضمير المقدَّر في قوله: أحببت، أي: إنَّك لا تهدي من أحببته، فما هي المحبة التي أثبتها النص لأبي طالب؟ لأن هاذه الآية نزلت في أبي طالب، هل هي محبته ذاته؟ أم هي محبة هدايته؟

قولان لأهل العلم:

منهم من قال: إن هناك مقدراً محذوفاً تقديره: من أحببت هدايته، وهاذا قاله كثيرٌ من المفسرين ومن أهل العلم.

والقول الثاني: أن الضمير يعود إلى أبي طالب. والمحبة هنا هي المحبة التي لا لوم فيها على الإنسان، وهي محبة الرّحمة، ويمكن أن تكون محبة القرابة؛ لأنَّ المحبة التي تكون للمخلوق إما أن تكون محبة طبيعية، وإما أن تكون محبة إلف وأنس، وإما أن تكون محبة رفق ورحمة.

(1) سورة: القصص، الآية (56) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام