الصفحة 311 من 952

اللامية المشهورة من قصيدة أبي طالب في الثناء على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبيان صدق ما جاء به، وأن ما يدعو إليه حق، مع ذلك لم يتمكن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إيصال الهداية إليه، مع أنَّ الله -جل وعلا- قال في وصفه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مستقيم} [1] .

لكن الهداية التي أثبتها الله لرسوله هي هداية الدّلالة والإرشاد والبيان والتوضيح، أما هداية التوفيق والعمل والإلهام فهاذه لا تكون إلا من الله جلَّ وعلا، فتلك في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مستقيمٍ} هداية دلالة وإرشاد، وهاذه التي في قوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [2] هداية توفيق وعمل، وهاذه لا تكون إلا من الله جلَّ وعلا، فمهما اتضحت البينات واستبان الحق، فإنه لا يتمكن الإنسان من سلوك السبيل، والعمل بمقتضى هاذا الدليل، إلا بتوفيق الله جل وعلا.

إذًا مناسبة هاذا الباب لما قبله: أنه نوع منه، فإنه كما أن النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يستطيع أن يوصل الخير، ولا يستطيع أن يدفع الضر وكذلك الملائكة، فهو أيضًا لا يستطيع أن يوصل الهداية لمن أحب، ولمن حرص حرصًا بالغًا على هدايته، هاذا وجهٌ في مناسبة هاذا الباب لما قبله.

ومن الأوجه -وهو وجه خفي لكنَّه قد يكون قريبًا-: أنَّ المؤلف -رحمه الله- فيما تقدَّم بيَّن التوحيد، وبيَّن ما رتَّب الله -جل وعلا- من الأجر عليه، وما رتَّب من العقوبة على من خالفه، وبيَّن الشرك وعقوبة أهله، وبيَّن بعض ما يتعلق بالشرك، في شرك الأسباب، وفي شرك الطلب، وفي شرك العبادة بعدة صور تقدَّمت، وهي واضحة بالأدلة البينة.

(1) سورة: الشورى، الآية (52) .

(2) سورة: القصص، الآية (56) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام