أما مناسبة هاذا الباب للباب الذي قبله: فإنَّه في الباب الذي قبله -وكذلك ما تقدّمه من أبواب قريبة- ذكر المؤلف -رحمه الله- عجزَ المخلوق مهما بلغ في الجاه والمكانة، وفي القدرة والقوة، عن أن يوصِل خيرًا أو يمنع ضرّاً عن أحد استقلالاً عن الله عز وجل، فبيَّن فيما مضى أن أشرف الخلق وأعظمهم جاهًا لا يستطيع أن يجلِبَ لنفسه ولا أن يدفع عنها، ولا يجلب لغيره نفعًا ولا يدفع عنه ضرّاً، وكذلك أعظم الخلق قدرة وهم الملائكة لا يستطيعون ذلك.
ثم بيَّن أنه حتى الشّفاعة من هؤلاء لا تمكن ولا تحصل إلا بشروط، وهي:
إذنُ الله جل وعلا، ثم رضاه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عن الشافع وعن المشفوع فيه.
في هاذا الباب أتى وبيّن -رحمه الله- أن الهداية لا تكون من غير الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فهي لا تُطلب لا من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا من الملائكة ولا من غيرهم، بل إنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يتمكّن من إيصال الهداية إلى أعظم النّاسِ محبةً ودفاعًا عنه وهو أبو طالب، فإنَّه من أعظم الناس محبة لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن أعظمهم دفاعًا عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فإنَّ أبا طالب ضحّى بماله وجاهه ومكانته وكلِّ ما يملك في الدِّفاع عن النّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأثنى على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثناءً بالغاً، كما في لاميته:
وقد علموا أن ابننا لا مُكذَّبٌ ... لدينا ولا يُعنى بقول الأباطل