ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث ما جرى للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة أحد، قال: (وفي الصحيح عن أنس قال: شُج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) . والشج هو الجرح في الرأس، وقيل: الرأس والوجه. (شُج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أحد، وكسرت رباعيته.) والرباعية هي مقدمة الأسنان. (فقال:(( كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟ ) )). هاذا استفهام استبعاد، أن من جرى منهم مثل ذلك يبعد أن تقع منهم الهداية، ويبعد أن يحصل لهم الفلاح؛ لأنهم بلغوا في الكفر غايته والمعاندة منتهاها، قال -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: (فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} .) وهاذا مضمن النهي عن استبعاد هداية هؤلاء بسبب ما وقع للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أذى؛ لأن الله جل وعلا بيده القلوب يصرفها كيف يشاء، فهو -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يهدي من يشاء ويضل من يشاء، فلا يجوز أن يستدل بالحال الحاضر على ما يكون في المستقبل من الهداية والضلال. ولذلك قال ابن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: (( فوالذي لا إلاه غيره! إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) ). فالاستدلال بالحال الحاضر على المآل فيما يتعلق بالهداية أمر غير صحيح؛ لأن القلوب بيد الله جل وعلا يصرفها كيف يشاء، وهاذا يوجب غاية الحذر من كل أحد؛ لأنه إذا كانت القلوب بيد الله تعالى يصرفها كيف يشاء فإنه ينبغي للمؤمن أن يضرع إلى الله تعالى، وأن يلح عليه في الدعاء أن يحفظ قلبه من الزيغ والضلال، وألا يعتمد على جمال حاله الحاضرة ويستدل بها على حسن منقلبه وجميل خاتمته، فإن هاذا غير مطرد.
{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} لماذا؟