وهؤلاء لا يستحقون أن يصرف لهم شيء من العبادة، ولا أن يثبت لهم ما لا يثبت إلا لله جل وعلا، ولذلك ذكر الوصف الذي يسقط ويبين ضلال هاذا الفعل فقال: {مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} . وهاذه حجة متكررة في القرآن الكريم: أن الله -جل وعلا- يستدل على بطلان عبادة الكفار بأنهم يعبدون من لا يخلق شيئاً وهم يخلقون، فالخلق من أعظم أدلة التوحيد؛ لذلك يذكر الله -جل وعلا- من آياته السماوية الأفقية والأرضية ما يدل على أنه الرب المستحق للعبادة؛ لكونه انفرد بخلق هاذه الأشياء، فهو المستحق بأن يفرد -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالعبادة: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [1] . والآيات التي يحتج الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بها على إبطال عبادة هؤلاء في عدم قدرتهم على الخلق كثيرة، ومنها هاذه الآية: {مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا} . و {شَيْئًا} هنا نكرة في سياق النفي, وما معنى الخلق هنا؟
الخلق هو الإيجاد من العدم، وهاذا لا يقدر عليه أحد ولو كان أصغر ما يكون، فإن الناس لا يخلقون إلا من مواد يركبون ويجمعون ويصنعون ويخلقون، لكن هاذا الخلق خلق مجازيّ؛ لذلك قال الله جل وعلا متحديًا من وقع في الشرك: {هاذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [2] فهاذا الدليل قائم، وهو خلق الله -جل وعلا- في السماوات والأرض والأنفس، فأين خلقكم؟ أو خلق من تعبدون وتدعون؟ لا خلق لهم لا في الدقيق ولا في الجليل؛ لأن الخلق هو الإيجاد من العدم، وهاذا لا يكون إلا من الله جل وعلا.
{مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا} هاذا وصف {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} أي: إنهم هم مخلوقون، وهم قد أوجِدوا من قبل من العدم، فالمستحق للعبادة هو من أوجدهم وأنشأهم من عدم.
(1) سورة: النحل، الآية (17) .
(2) سورة: لقمان، الآية (11) .