الصفحة 256 من 952

لهاذا لم يشدد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النكير على الصحابة لما سألوه؛ لأنه أمر متوقع من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, بخلاف ذلك لما قال الرجل للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما شاء الله وشئت. ماذا قال -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-؟ قال: (( أجعلتني لله ندّاً؟ ) ). فشدد في الأمر لأنه أمر يتعلق بالتوحيد، ولا يمكن أن يسوغ ولا يقبل التسوية بين الله وأحد من خلقه مهما كان. وكما جاء في الأثر أيضاً الذي قال للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك. فقال: (( سبحان الله، سبحان الله! شأن الله أعظم، إنه لا يستشفع بالله على أحد ) ). أي: لا تطلب الوساطة من الله عند أحد؛ لأنه جل وعلا الكبير المتعال. وهاذا يدلنا على أن السؤال الذي سألوه أمر ليس مما يقدح في توحيدهم، ولا مما ينقص إخلاصهم.

لكن يستفاد من هاذا أن سؤال ما لا يقدر عليه الإنسان يجب أن يفرد به الله جل وعلا، ولا يجوز سؤاله من أحد كائناً من كان. وحرف بعض المنحرفين عن السبيل المستقيم هاذا الحديث فقال: إن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (( إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله ) ). لا يدل على عدم جواز الاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ لأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما قال ذلك على غرار قوله للأشعريين: (( ما حملتكم إنما حملكم الله ) ). وعلى غرار قول الله جل وعلا: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} . وهو ما يسمى في علم التصوف شهود القيومية، ومعناه: أن كل ما في الكون هو فعل لله تعالى.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام