فعُلم بهاذا أن قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( إنه لا يستغاث بي، ولكن يستغاث بالله ) ). أنه لا يستطيع كف شر هاذا الرجل، ووجههم إلى من بيده كف كل شر، وهو الله -جل وعلا- فقال: (( إنما يستغاث بالله ) ). فرجعهم إلى الله تعالى الذي بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله: {أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [1] ليكف شر هاذا عنهم.
هل هاذا الحديث يدل على عدم جواز الاستغاثة برسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما لا يقدر عليه؟
الجواب: نعم يدل؛ لأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيّن لهم أنه في هاذا الأمر لا يستغاث به، مع أن هاذا الأمر -كما ذكرنا- المتوقع والمظنون والذي كان في ذهن الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- أنه في مقدور الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي استطاعته، فكيف بالاستغاثة به فيما لا يقدر عليه كمغفرة الذنوب، وهداية القلوب، وإصلاح الأمور، وكشف الكروب وما أشبه ذلك؟ هاذا من أبعد ما يكون، وهاذا دليل على أنه لا يجوز الاستغاثة بالمخلوق في كل ما لا يستطيعه ولا يقدر عليه، حتى لو ظن الإنسان المستغيث بأن المستغاث به يستطيع ذلك يجب عليه أن يبيّن له، وهاذا في الأمور التي يتوهم فيها أنه يستطيع أن يقوم بها، فكيف بالأمور التي لا يظن ولا يتوهم أنه يقدر عليها؟ ففي هاذه الحال فإن الإنكار فيه أشد.
(1) سورة: الشورى، الآية (53) .