الشاهد في هاذه الآية قوله تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ} ففيه النهي عن دعاء غير الله، وفيه النّهي عن الاستغاثة بغير الله؛ لأن الاستغاثة تقدم لنا أنها دعاء خاص، نوع خاص من الدعاء.
قال: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} ؛ {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ} اقتصر على هاذا ثم قال: الآية؛ لأن الاستغاثة تكون في أي شيء؟ في كشف الضر، فهاذا دليل على أنه لا يجوز الاستغاثة بغير الله عز وجل؛ لأنّه إذا كان لا كاشف لهاذا إلا الله فإنه لا يسأل غير الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-. وقوله: {بِضُرٍّ} سواء أكان ضرّاً قليلاً أم ضرّاً كبيرًا فذلك مما لا يسأل في كشفه إلا الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ما لم يكن في مقدور الإنسان الحاضر فإنه لا بأس من طلب الغوث منه وطلب العوذ منه، ومنه قول الله جل وعلا في قصة صاحب موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ} [1] على أن بعض العلماء يقول: إن هاذه الآية لا يستدل بها على جواز الاستغاثة بالمخلوق؛ لأنها من رجل لا حجة في فعله، فإنه ظالم معتدٍ، ولذلك لما استنصره في اليوم التالي {قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} [2] فمثل هاذا لا يستدل بقوله. على كل حال الاستغاثة -طلب الغوث، طلب النصر- من الحي الحاضر فيما يقدر عليه جائزة، سواء سميناها استغاثة أو سميناها استعاذة أو سميناها استجارة. وهاذا محل إجماع لا خلاف فيه، وإنما المنهي عنه هو الاستغاثة والاستعاذة فيما لا يقدر عليه إلا الله، وفي الصور التي تقدم ذكرها.
(1) سورة: القصص، الآية (15) .
(2) سورة: القصص، الآية (18) .