(( فقال: أعوذ بكلمات الله ) ). وهاذا فيه الاستعاذة، وفيه الشاهد من الحديث، حيث وجه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الاستعاذة بكلمات الله التامات. و (( الكلمات ) )جمع كلمة، وهي ما تكلم به الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-. و (( التامات ) )التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه، وهاذا وصف كاشف أو وصف مقيد؟ وصف كاشف؛ لأن جميع ما تكلم به الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- تام لا نقص فيه؛ لأن الكلام صفته، وصفاته ليس فيها نقص: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [1] الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [2] .
فقوله: (( التامات ) )هنا صفة كاشفة. فما المراد بالكلمات؟ هل هي الكلمات الشرعية، أم الكلمات الكونية؟
الشرعية كالقرآن والتوراة والإنجيل وما تكلم به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في كتبه، أم الكلمات الكونية، وهي: كل ما تكلم به جل وعلا؟ فالمراد المعنى الثاني: الكلمات الكونية، يدل على ذلك أنه وصفها في حديث آخر فقال: (( اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ) ). وهاذا إنما يكون في الكلمات الكونية؛ لأن الكلمات الشرعية هل يجاوزها الكافر أو لا؟ يتجاوزها الكافر ولا يلتزم بها، فالمراد بالكلمات هو الكلمات الكونية. (( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ) ). وهاذه استعاذة بصفة من صفات الله جل وعلا.
وقد استدل الإمام أحمد رحمه الله بهاذا الحديث على أن كلام الله عز وجل صفة من صفاته، وأنه غير مخلوق؛ لأنه لا يجوز الاستعاذة بالمخلوق بحال من الأحوال، فلما كان كذلك دل هاذا على أن الكلام صفة من صفات الله عز وجل.
(1) سورة: الروم، الآية (27) .
(2) سورة: الشورى، الآية (11) .