والنذر أصله هو إلزام المكلف المختار نفسه لله شيئًا غير محال. هاذا أصل النذر، وأما صيغته فالصحيح أنه لا صيغة له محددة، بل ينعقد النذر بكل قول يدل عليه. فقول الله تعالى في سورة براءة فيما قصه عن المنافقين: {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} هاذا نذر، هل فيه لفظ النذر؟ ليس فيه لفظ النذر لكن فيه معناه، وهو ماذا؟ إلزام النفس بشيء لله تعالى.
واعلم أن النذر قد يتأكد بالقسم أو يتأكد بالمؤكدات، لكن هاذا لا يخرجه عن كونه نذراً، فإذا قال: لله علي عهد أن أذبح. هاذا نذر أو لا؟ نذر؛ لأن النذر معناه إلزام النفس بشيء لله تعالى، سواء بلفظه أو بغير لفظه، لذلك فإن الفقهاء رحمهم الله تعالى في تعريف النذر قالوا: بكل قول دل عليه. والمؤلف رحمه الله بيَّن في الترجمة حكم النذر فقال: (باب من الشرك النذر لغير الله.)
سؤال: هل هاذا الشرك أصغر أو أكبر؟
هاذا شرك أكبر؛ لأنه نذر عبادة وقد صرفها لغير الله، فلا إشكال أنها من الشرك الأكبر.
ذكر المؤلف رحمه الله في هاذا الباب آيتين وحديثًا. أما الآيتان فقال: (وقول الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} .) وهاذا على وجه الثناء والمدح في قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [1] ثم أثنى عليهم وبين أن من أسباب استحقاقهم لهاذا الفضل المذكور وفاءهم بالنذور فقال: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} . ومعنى الوفاء بالنذر هو: إتيان ما عاهد الله عليه، وهاذا يدل على أن الوفاء بالنذر من العبادات والقربات التي يؤجر عليها الإنسان.
لكن يبقى النظر في النذر نفسه، هل هو مما حثت عليه الشريعة وأمرت به؟
(1) سورة: الإنسان، الآيات (5 - 6) .