الصفحة 135 من 952

تكلمنا عن الآية وذكرنا أن المؤلف رحمه الله ساق هاذه الآية أو ذكر هاذه الآية في باب تفسير التوحيد؛ ليبين أن التوحيد لا تقوم ساقه ولا يستقر قراره إلا بأمرين، الأمر الأول: الإثبات. والأمر الثاني: النفي. إثبات الألوهية لله -عز وجل- ونفيها عما سواه، وهاذا ما تضمنته هاذه الآية، فإن الآية تضمّنت نفي ما عدا الله من الآلهة وإثبات الألوهية له -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وتضمّنت أيضًا البراءة من عبادة غيره، فقوله تعالى فيما ذكره عن إبراهيم: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} هاذا يشمل البراءة من الأعيان المعبودة من دون الله ومن الأفعال المتعبد بها لغير الله ومن الفاعلين لتلك العبادات، كل هاذا يفيده قول الله تعالى: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} . وقوله: {إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} فيه إثبات العبادة لله وحده لا شريك له، وذكر في الإثبات الصّفة الموجبة لعبادة الله وحده والمسوِّغة لنفي العبادة عن غيره، وهي: {إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} أنه فاطر -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وهي صفة الخلق، فهاذه الصفة هي التي أوجبت أن يعبد -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- دون غيره، ولذلك جاء ذكر هاذه الصفة في الاحتجاج على المشركين في كثيرٍ من الآيات لإبطال عبادتهم وإبطال شركهم، فإنه لا يستحق العبادة إلا الفاطر جل وعلا، ولذلك قال صاحب (يس) في كلامه لقومه: {وَمَالِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [1] فجعل المسوِّغ للعبادة والموجب لها هو ماذا؟ أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الفاطر. وقد قال الله جل وعلا: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [2] في إنكار عبادة غيره -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-. فالموجب لذكر هاذا الوصف في هاذه الآية هو بيان علة إفراد العبادة له -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-. واضح الكلام؟

(1) سورة: يس، الآية (22) .

(2) سورة: الأعراف، الآية (191) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام