أفادتنا هاذه الآية في تفسير التوحيد أن لابد في التوحيد من إثبات ونفي، ولا بد في التوحيد من براء من المشركين، وأنه لا يكفي فقط في التوحيد إفراد العبادة لله -عز وجل-، بل لا بد أن يضاف إليها البراءة من الشرك وأهله.
ثم قال: (وقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ} [1] هاذه الآية أتى بها المؤلف رحمه الله في تفسير التوحيد؛ ليبين أن التوحيد لا يتم إلا بالتخلي من الشرك الذي وقع فيه هؤلاء، وما هو الشرك الذي وقع فيه هؤلاء؟ أنهم صيّروا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، فقوله: {اتَّخَذُوا} أي جعلوا وصيروا {أَحْبَارَهُمْ} جمع حَبر وقيل: جمع حِبر وكلاهما صحيح ورجح بعض أهل العلم الكَسر أي حِبر، وعلى كلٍّ كلاهما صحيح حَبر وحِبر كلاهما يدل على العالم. وقوله: {وَرُهْبَانَهُمْ} جمع راهب، والراهب هو العابد، ولماذا سمي العابد راهبًا؟ لأن الحامل على العبادة هو الرهبة. قال: {أَرْبَابًا} جمع رب، والرب هو الخالق المالك الرازق المدبر، وهل جعل هؤلاء -والكلام في الخبر عن بني إسرائيل وعن أهل الكتاب، هل جعل هؤلاء- الأحبارَ والرهبانَ يملكون ويرزقون ويدبرون ويخلقون؟
(1) سورة: التوبة، الآية (31) .