منهم من قال: إنهم كانوا يعبدون الله، أي: إنهم مقرون بالصانع، وهاذا الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله، قال رحمه الله: إنه لم تعرف عن طائفة من الطوائف التي بعث إليها الأنبياء من ينكر الله جل وعلا إنكارًا كليّاً، واستدل لذلك بأدلة عديدة من ظواهر القرآن تدل على أنهم كانوا يعبدون الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مع عبادتهم لهاذه الأصنام، وعلى هاذا يكون قوله: {إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} استثناءً متصلاً، ومعنى الاستثناء المتصل أي يخرج من النفي السابق والبراءة المتقدمة عبادة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في قوله: {إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} فاستثنى الله -جل وعلا- مما يعبد هؤلاء، والاستثناء جاء بهاذا الوصف: {إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} لبيان أن سبب استحقاق الله -جل وعلا- لهاذه العبادة كونه الفاطر، ولذلك قال صاحب (يس) لقومه: {وَمَالِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [1] فجعل ترك عبادة الفاطر من أعجب ما يكون ومن أعظم ما يستغرب منه.
إذًا الاستثناء على هاذا القول يكون متصلاً.
على القول الثاني -وهو أن هؤلاء لا يعبدون الله إنما يعبدون الكواكب والأصنام- يكون الاستثناء منقطعاً، والاستثناء المنقطع معناه المستثنى منه من غير جنس المستثنى، ويكون تقدير الكلام: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} لكن {الَّذِي فَطَرَنِي} لا بد من أن تقدر: هو معبودي، أو: لكن الذي فطرني معبودي.
(1) سورة: يس، الآية (22) .