فهرس الكتاب
الصفحة 18 من 64

ويطوي الله الأرض للطاهر الخارج من مكة، واسمه (محمد بن علي) من ولد السبط الكبر الحسن بن علي، فيتسمي بالامام الحسني، فيبلغ البيداء من يومه، فيجد القوم أبدانهم داخلة في الأرض، ورؤوسهم خارجة، وهم أحياء، فيحمد الله هو وأصحابه، وينتحبون بالبكاء، ويدعون الله ويسبحونه ويحمدونه علي حسن صنيعه اليهم، ويسألونه تمام النعمة والعافية.

فتبلعهم الأرض من ساعتهم تلك، ويجد الحسني العسكر علي حاله، والسبي علي حاله، وقد اجتمع اليهم من بلغه خبرهم ممن كان هرب من المدينة ومن كان حول المدينة.

وكان جبرئيل عليه السلام قد تشبه لهم جميعا برجل من المعمرين، فقال لهم: لا تتعرضوا لشيء، فان اخوانكم المؤمنين مع ولي الله الحسني يأتونكم وهم في العسكر، والسبي مسرورون بالذي صنع الله بجيش السفياني.

فيأمر السبي (من) النساء والجواري والغلمان، أن من عرف شيئا مما أخذ أصحاب السفياني فليخبرنا به، وفي السبي نساء قد ولدن الأولاد غافلات، قد عرفن ذلك من أهل الكوفة، ومن أهل المدينة، فيعرض عليه شيء فشيء، فيعرض عليه نساء أهل الكوفة والجواري والغلمان والأمتعة والذهب والفضة، وسائر الأموال، ويعرض عليه نساء أهل المدينة، وما اخذ من الجواري والغلمان والذهب والفضة والأمتعة.

فيعزل الحسني ذلك كله، ويرد ما كان اخذ من أهل المدينة، ثم يقسم ما كان في عسكر السفياني من الخزائن والمضارب والأمتعة والذهب والفضة بين أصحابه، ويقيم بالمدينة عشرة أيام، فيأمر باصلاح ما فسد من المسجد والدور وغير ذلك، ويأمر بدفن من قتل منهم.

ثم يستخلف الحسني علي العراقين وما والاهما، ويخرج الى الروم.

فيكتب ملك الروم الى ملك الصقالبة: ان هذا العدو الذي قدم لقتالي، اذا هزمني أقبل اليك فأمدني كفك أمره.

فيمده ويكتب الى صاحب أرمينية مثل ذلك. فأما صاحب أرمينية فقد شغله صاحب الحسني، فلا يجيبه بلا، ولا نعم، ويحارب الحسني الروم، فيفتح منها مدنا وحصونا كثيرة، ويقيم بطرسوس، ويبث أصحابه وجيوشه في جميع الثغور، فيفتتح الوجه الذي فيه، ويغنم، ويكتب بذلك الى الحسني.

ويكتب الحسني الى ملك الروم:

ان الملك الذي هرب اليك ابن عمنا، وهم قوم قد ذهبت دولة ملكهم، والذي هرب منه اذ هزمه وجنوده حتى ألجأه الى أن هرب اليك هو السفياني، عدو لنا وله، وقد أظفرنا الله به فقتلناه، فقل للملك - الذي هرب اليك فآويته وأنزلته، وقد أحسنت وقضيت فيه ما عليك: ابن عمك قد كتب الى فيك، فأقبل الى فلك الأمان، ان أقبلت الى نصل رحمك ونمن عليك، وننزلك منزلة الشريف منا.

وكتبت اليه كتابا، فأوصله اليه.

ويكتب الى الملك: من الحسني المنصور من الله الى ابن عمه عبد الله:

قد قتل الله عدوك وعدونا، فاقبل آمنا بأمان الله، لك بذلك عهد الله وميثاقه، وذمتنا وذمة رسوله.

فيفعل ذلك ملك الروم، فيقول لملك الروم: المقام عندك في جوارك أحب الى من أن آتي ابن عمي هذا، وهو اليوم فوقي وأنا دونه، وكنت الملك قبله، فاذا كان كون كسائر من عنده من الرعية، فالمقام عندك ان أنت تركتني أحب الي.

فيقول له ملك الروم: فأقم اذا أحببت ذلك.

ويكتب ملك الروم الى الحسني، فيكتب اليه الحسني:

أما اذا أبي أن يأتينا واختارك علينا، فانا لا نرضي أن يقيم ابن عمنا في غير أهل ديننا، فانك ان لم تبعث به الينا، قاتلنك علي أنك علي غير ديننا، فان أنت أسلمت ودخلت في ديننا، والا قاتلنك علي تركك الدخول في ديننا، دين الاسلام.

فيأبي ملك الروم، ويحاربه، فيقول له بطارقة الملك: أيها الملك ما ترجو بايواء رجل ليس من أهل دينك؟! ابعث به الى صاحبه.

فيقول ملك الروم: لا أفعل، استجار بي فأجرته، ولست اسلمه مع أنني لو بعثت به أيضا الى صاحبه لما أمسك عن حربكم، وذلك أنه ليس يقاتلكم علي ترككم لبعثه لهذا الرجل اليه، انما يقاتلكم علي أنكم ليس تدخلون في دينه، فلا تظنوا به غير ذلك.

فاذا قال لهم ذلك، أمسكوا عنه.

ثم ان بعض بطارقته يشد علي ذلك الملك، فيقتله بغير اذن ملك الروم، فخبر بذلك ما فعل هذا البطريق فيقول له: أقتلت رجلا قد أجرته؟! فيقول له البطريق: أما انك قد وفيت له أنت، وأما أنا فاني انما قتلته عن غير رأيك، وعن غير أمرك، فلا عتب عليك في قتلي اياه، لأنك لم تغدر به.

فاذا قال (قال) له علماء أهل ملته من الروم: صدق أيها الملك، ما عليك في ذلك عتب. فيمسك عنه.

ويكتب الى الحسني، فيعلمه ما فعل ذلك البطريق، ويسأله الصلح والانصراف عنه.

ويرسل اليه الحسني: لا صلح بيننا وبينك الا أن تدخل في الاسلام فتسلم، فان فعلت ذلك، والا حاربنك حتى نقتل أو يظهرنا الله عليك، فان لنا بذلك وعدا من الله لا يخلفه، انه ينصرنا عليك.

فيقرأ ملك الروم كتابه علي بطارقته، ويقول لهم: ألم أقل لكم: انه انما يقاتلكم علي ترككم الدخول في دينه؟ فقاتلوا الآن بنية صادقة، فانا علي ما هم عليه من قتالهم ايانا علي ما وعدهم الله بزعمهم، فانا علي مثل ذلك من ميعاد الله ايانا.

فيجيبونه الى ذلك، ويقاتلون الحسني بجد وبصيرة، فيشتد القتال حينئذ بينهم.

ثم انه يخرج علي الحسني باصفهان رجل كذاب يقال له (المحق) وكراد وصعاليك الجبال، ويخرج في اصطخر من فارس (النغاف) (في) خمسة آلاف من الناس من أهل فارس، ويخرج عليه قوم من (المطوعة) فيقاتلون (النغاف) فيهزمهم النغاف، ثم تخرج (الخوارج) باليمامة، وببلاد اليمن، وبأرض الموصل من الجزيرة.

ويوجه صاحب الحسني الذي في كل وجه من هذه الوجوه الى الذي خرج في أرضه، فيحاربه فيهزمه الخارجي، ويكتب كل الى خليفة الحسني، فيكتب خليفة الحسني الى الحسني وهو في أرض الروم بذلك، ويعلمه أن فيهم رجلا يفعل بالسحر، ويفتن الناس بذلك، وهو باصفهان، وهو رجل كذاب يقال له (المحق) فالله الله في القدوم، فان قتال هؤلاء واجب، أهم من قتال الروم، وتكثر الخوارج في الأرض.

ويخرج بالشام رجل من جذام يقال له (روح بن بنانة) ويخرج ببرقة رجل من لخم يقال له (أوس بن شداد) فيطرد كل واحد من هؤلاء - أصحاب الحسني - ويكثر القتل وسفك الدماء والفساد، ويخرج ذلك الاصفهاني بسحره وكذبه الى الناس، فيريهم من آيات سحره العجائب، ومن ذلك انه يدعو الطائر من الهواء، فينزل اليه، ويدعو الحوت فتخرج اليه من الماء، فتعظم الفتنة لذلك.

ويكتب الى الحسني بذلك، وقد افتتح الحسني قسطنطنية، وهرب ملكها، وقد قسم السبي، وغنم ما يعجز عن قسمته، حتى يكيل الذهب والفضة بكيل بالترسة، فيدعوا الجماعة من أصحابه فيقول لهم: هذا الذهب، وهذا الورق، يطول وزنه علينا، فخذوه واقسموه بينكم، ويكيل ذلك لهم بالترس.

ويأتيه خبر هؤلاء الخارجين في أرضه، فيخل ما في يديه، ويأخذون ما خف عليهم، ويقبلون فيجدون الأرض مثبطة حوبا هي أشد من حرب السفياني، وفي كل بلدة قتال، من خارج من أهلها، وباغ عليها غير أهلها، فيفرق الحسني أصحابه في هذه الوجوه، فيقاتلون من خرج فيها، وذلك في شهر رمضان في أيام حارة، وينكسف القمر في ليلة الأربعاء، وهي ليلة ثلاث عشر من شهر رمضان، فيقول الحسني لأصحابه: يا قوم أحسنوا الظن بالله عز وجل فقد عهدنا مع آبائنا، فلم نسمع أن القمر انكسف مرتين في ليلتين متتابعتين الا في شهرنا هذا، فهاتان آيتان من آيات الله تعالى، فجدوا في جهاد أعداء الله، ودعوا الرغبة في الدنيا.

فيجتهدون في الصوم والصلاة في ليلة الجمعة ليلة النصف من شهر رمضان، فاذا مضي الثلث الأول جاء صوت من السماء لم يسمع الناس مثله، فيصعق فيه سبعون ألفا من الفسقة، ويعمي فيه سبعون ألفا، ويصم فيه سبعون ألفا، ويخرس فيه سبعون ألفا، وتنفتق فيه سبعون ألف عذراء، وذلك كل في أهل الفسق والمستحلين، ما حرم، فأما من تعوذ بالله وتضرع اليه، وأحسن عمله، فان الله ينجيه من ذلك، ومما هو أشد من ذلك.

ثم اذا كان عند طلوع الفجر من تلك الليلة كان صوت آخر غير الصوت الأول، وكان بعده ظلمة الى طلوع الفجر، كان الأول صوت جبرئيل صاح صيحة كان فيها الذي كان، ثم سمع فيه صوت يقول:

(لا اله الا الله نجي أولياء الله وهم قائلوها) .

وكان الصوت الآخر صوتا مهولا لم يصعق فيه أحد، ولا عمي ولا صم ولا خرس ولا انفتقت فيه عذراء، وكان في آخره ظلمة، وسمع فيه صوت يقول:

(لا تخافوا أقبلوا علي لهوكم، وتمتعوا فان الأصوات التي سمعتموها انما هي صوت الجن يلعبون في الهواء) .

فالصوت الأول هو صوت جبرئيل يثبت المؤمنين والمؤمنات.

والصوت الآخر صوت ابليس يثبت أصحابه علي المعاصي.

ويفرق الحسني أصحابه يجاهدون الخوارج في كل موضع خرجوا فيه، ويتوجه هو بنفسه الى ذلك باصبهان، فيلقاه فيقتله، ويقتل أصحابه الا من هرب، وذلك في أول شوال.

ثم اذا كان في النصف من شوال كانت المعمعة الكبري، والطامة العظمي.

ويتوجه الحسني الى الذي بفارس، فيصطلمه ويصطلم عسكره من هرب منه.

ثم يكون في النصف من ذي القعدة زلازل، وصواعق، وخسف في بلدان الأرض كلها؛

ويكون في ذي الحجة المعمعة الثانية، وهي أطم من الاولى وأهول.

وفي المحرم تسلب أهل مكة ما حول البيت، ويسلب الحرم، وتنهب الأعراب دور أهل مكة، ثم يجتمع أهل مكة ومن حولهم، فيخرجون خلفهم، ويعينهم الله عز وجل بالريح والتراب، فيقتلون اولئك الأعراب، ويأخذون جميع ما كانوا قد أخذوا منهم من الأبل والسلاح وغير ذلك، ويرجعون غانمين.

ويخرج أصحاب الحسني في كل وجه من الوجوه، ويفتحون البلدان، ويصفو الأمن للحسني، وقد كان ملك الروم لما بلغه عن الخوارج قد خرجوا علي الحسني، حلف - وهو بالرومية خلف قسطنطينة- أن يخرج الى أرض الاسلام، فيغلب علي ما قدر عليه من مدنها، ويدخلها كما دخل الحسني قسطنطينة، ويرجع الى (قسطنطينة) ثم يجمع بطارقته وجنده، ويسير الى (طرسوس) ثم يخرج منها حتى يأتي الفرات، ويمهله الحسني حتى يأتي (حران) .

ثم يأخذ عليه الحسني من ورائه ومن قدامه، فيقتل أصحابه، ويأخذ صلبانهم، وينزع ملك الروم ثيابه، ويلبس ثياب أهل طرسوس، ويتزيا بزي أهل الثغر، ويتقلد سيفا، ويركب بغلا، ويلطخ فمه بدم، فكلما تلقاه رجل من المسلمين، أومي اليه بيده، كأنه يسلم عليه ويدعو له، فيظن أنه رجل من أهل الثغر قد أصابه ذلك في جهاده الروم.

فلا يزال كذلك حتى يأتي طرسوس، ثم يضرب الى الروم، وينادي الروم، ويسأل: هل رأيتم الطاغية؟ فيقولون: هرب، ولو كان في القتلي لوجدناه. فيولي الولاة ويوجههم في وجوه بلاد الاسلام كلها، وقد استقام أمر الاسلام كله.

ثم يخرج في أصحابه، فيجاهد الروم، ويرسل اليه ملك الروم بحيلته التي نجا بها، ويسأله الصلح أو الرجوع، ويخوفه فساد بلاده، ان هو اشتغل بقتال الروم، فيقول: لسنا نقاتلك علي الأموال والغنائم، انما نقاتلك علي أن يكون الدين دين الاسلام، وتقر بكلمة الاخلاص، وهو قول: (لا اله الا الله وحده لا شريك له(وأن محمدا عبده ورسوله) وأن عيسي بن مريم عبد الله ابن أمته، وكلمته وروحه، ابن العذراء البتول التي لم يمسسها بشر، كون الله منها المسيح كما كون الله آدم من تراب، فجعله بشرا، ثم كون من آدم حواء زوجة، ثم كون منها هذا الخلق كله، وجعلهم قبائل وشعوبا وامما، ثم فرق لغاتهم، وهو بكل شيء منهم ومن غيرهم عليم، ولو شاء لجعلهم امة واحدة، ولكن يدخل من يشاء في رحمته).

فنحن ندعوك وأهل ملتك الى دين الاسلام، فان أحببت قبلنا ذلك منك، وخلينك وأرضك، وأديت الينا مثل أهل ملتنا من الخراج المعلوم، وان أنت أبيت الجزية فالحرب بيننا وبينك أبدا حتى ينصر الله أحب الفريقين اليه، ولنا النصر، ولمن قتل منا الجنة، وان نصرت علينا فلنا الجنة لصبرنا وبصيرتنا.

فيقرأ ملك الروم كتابه علي بطارقته، ويقول: ما يكون هذا أحرص علي الجهاد منكم؟ فيقولون له: صدقت، فأخرج بنا اليه.

فيجتمعون ويخرجون الى الحسني في ألف صليب، تحت كل صليب جمع كثير، ويلقاهم الحسني، فيقتل منهم كل يوم مقتلة عظيمة، وينهزمون ويتبعهم حتى يبلغ بهم القسطنطينة، ثم يحاصرهم في مضيق عليهم، ويسألونه الصلح، فيأبي عليهم، فينهزمون عنها الى (رومية) ويخلونها له، فيدخلها في أصحابه، فيهدمون بيعتها العظمى بعد أخذهم بيت مذبحها وصلبانه، ويخربون القسطنطينة، ويهدمون سورها، ويقيمون فيها وفيما حولها، ويريدون المسير الى (رومية) فيرسل الحسني جيشا الى ملك الصقالبة، فيهزمونه أيضا، ويأخذون بعض بلاده.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام