هذه الشريعة المعصومة ليست تكاليفها موضوعة كيفما اتفق لمجرد إدخال الناس تحت سلطة الدين، بل وضعت لتحقيق مقاصد الشارع في قيام مصالح الدين والدنيا معا ..
إن في نصوص الشريعة والتقيد بقواعد الاستنباط على نهج العلماء الربانيين غنية عن هذه المعارك التي رفعت لواء التصنيف والتبديع وربما التكفير .. في وقت أشد ما تكون فيه أمة الإسلام حاجة إلى التآخي والتعاون ..
والحق أن المسألة ليست في حكم التدرج، فقد اختلف علماؤنا في كثير من المسائل ـ لكنه كان اختلاف الكبار ـ .. المشكلة في الجهل والمعاصرة .. وإلا ففي الفتاوى والأقوال المذكورة عن علماء لا يملك أحد تهمتهم بالتميع والبدعة، إرشاد وتوجيه لمن أراد الهدى والرشاد.
إن إقامة الدين يحتاج إلى إخاء وتعاون .. وحرص على الائتلاف وأسبابه .. وتوق من الاختلاف وأسبابه .. ولو استغنى أحد عن ذلك لاستغنى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤيد بالوحي .. وسيرته شاهدة على ذلك .. وكذا سيرة خلفائه رضي الله عنهم.
إن أية جماعة مهما كانت قوتها وكثرة كوادرها لا تستطيع بمفردها إقامة الشريعة وسياسة الناس .. فلا داعي للمكابرة والمغامرة وتضييع الفرص .. وإن تغافل الإنسان عن نقصه وعيبه لمن دواعي الغرور، والغرور من دواعي التمادي في الغي، والتمادي في الغي من موجبات الهلاك .. ورعي الإبل خير من رعي الخنازير ..
ومما له علاقة بالفقه والسياسة، حسن التواصل مع الأمة المسلمة والاستفادة من طاقاتها وخيراتها ..
إن الله تعالى قسم أفضاله بين عباده .. والخير في التعاون والتكامل .. فإن الأعمال الفردية قل أن تأتي بالنتيجة المطلوبة .. ونعوذ بالله أن نكون ممن يجهل قيمة النفع العام أو يعرفه ولكن لا ينفع ولا يعاضد ..
وقبل الفراغ أنصح نفسي وسائر العاملين لتحكيم الشريعة الإسلامية بإخلاص الدين لله وحسن الظن ببعضنا، وأن يسعنا ما وسع أسلافنا رحمهم الله .. ومحال أن يبلغ الشيطان أمنيته من أمة جمع بينها المبدأ الصحيح والرأي الصريح، وألف بينها العمل والأمل .. فنحن بحاجة إلى تفكير وتعقل على منهج متقارب، يحفز الأفكار الخامدة إلى التحرك، ويزيد الأفكار المتحركة قوة على قوة.
{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .