فهرس الكتاب
الصفحة 86 من 256

القول ببطلان التكليف حقا. والدليل عليه: أن العبد ما لم يكن قادرا على الفعل والترك كان أمره عبثا لأن ما بوجب الفعل - إن حصل - فذلك الفعل حاصل وجوبا سواء أراده العبد أو لم يده (وإن حصل ما يوجب الترك فذلك الترك حاصل سواء أراده العبد أو لم يرده) وإذا مان كذلك فنقول:

القائل له: افعل أو لا تفعل: يكون جاريا مجري ما إذا قيل له: افعل يا من لا يفعل. وأيضا فلو جاز ذلك لجاز أن يؤثر بطوله وقصره ولونه ولجاز أن يؤمر بإيجاد السموات والعرش والكرسي مع أنه لا قدرة له على شيء منها. وأيضا: لو جاز ذلك لجاز إرسال الرسل إلى العميان بنقط المصاحف وإلى المفلوجين بأن يطيروا إلى السموات وكل ذلك ظاهر الفساد.

فثبت أن القول بالجبر حق. وثبت أنه متى كان القول بالجبر حقا كان القول ببطلان التكليف حقا.

وأما المقدمة الثالثة: في بيان أنه كان القول ببطلان التكليف حقا كان القول ببطلان النبوة حقا.

فتقريره: أن الأنبياء بصريح لسانهم وفصيح بيانهم: يذكرون أنه لا فائدة في بعثتهم ولا مقصود من إرسالهم إلا تبليغ التكاليف وأنه لولا هذا المقصود لم يكن في إرسال فائدة البتة. وغذا ثبت هذا وثبت أن القول بالتكليف باطل كان القول بإرسالهم باطلا.

وهذه الشبهة في نفي النبوات قد حكاها الله تعالى في القرآن مرار وهو قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} [الأنعام: 148] والله أعلم.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام