الصفحة 910 من 952

فإن اشتبه الأمر هل بلغهم أولم يبلغهم، أو هل بلغهم على وجه تقوم به الحجة، أو لم يبلغهم؟ فالأصل: ما تضمنه حديث بريدة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- من عرض الخلال الثلاث؛ لأن المقصود بالقتال الرحمة، لا الإبادة والاستيلاء على الأموال، وهاذا هو مذهب الإمام مالك -رحمه الله- وبه تجتمع النصوص.

قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه ) )أي: تجعل لهم عهد الله وعهد نبيه (( فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه ) )يعني: لا تقل: أعاهدكم، أو أصالحكم على كذا وكذا، ولكم ذمة الله وذمة رسوله، هاذا معنى نهي النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله: (( فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه ) ). (( ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك ) ). (( اجعل لهم ذمتك ) )أي: عهدك وعهد أصحابك. (( فإنكم أن تخفروا ) )أي: تنقضوا (( ذممكم ) )أي: عهودكم. (( وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ) )أي: تنقضوا (( ذمة الله وذمة نبيه ) )أي: عهد الله وعهد نبيه. ولاشك أن نقض العهد الذي يكون من الإنسان أهون من أن ينقض عهدًا أعطاه من الله ومن رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( إنكم أن تخفروا ذممكم ) )ليس فيه الإغراء بإخفار الذمم، إنما فيه بيان ما قد يقع، وإلا فقد قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أول الأمر: (( اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ) )فنهى عن الغدر، لكن قد يقع من أعراب المسلمين، أو أطرافهم من يقع منه مخالفة ما جرى عليه العهد، فكون ذلك متعلقًا بذمم المقاتلين أولى وأسهل من أن يكون متعلقًا بذمة الله وذمة رسوله، فإن ذمة الله وذمة رسوله مصونة، مستحقة للحفظ والصيانة، وألا تبذل في غير محلها.

قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة نبيه ) ).

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام