الصفحة 91 من 952

وأما مناسبته لما قبله: فإنه -رحمه الله- لما تكلم فيما مضى عن التوحيد وفضله وفضل من حقّقه، وعن الشرك ووجوب الخوف منه- بيَّن في هاذا الباب أهمية الدعوة إلى التوحيد، وأنه من حق التوحيد أن يدعو الإنسان إليه، من حقه أي من لوازمه وواجباته أن يدعو الإنسان إليه. ومجيء المؤلف رحمه الله بهاذا الباب في مقدمة كتابه والذي مضى مما يتعلق بالتوحيد، سبب ذلك: أنه -رحمه الله- أراد أن يبين أنه لا يلزم في تبليغ التوحيد والدعوة إليه أن يلمّ الإنسان بجميع ما يتعلق بهاذا الباب من مسائل، بل يكفي في وجوب الدعوة إلى التوحيد أن يحيط علمًا بأصول هاذا الباب ومجملاته، فإن التوحيد المجمل مما يجب الدعوة إليه، وأما تفصيل ذلك فيمكن أن يدركه الإنسان فيما يستقبل، فلا يمتنع عن الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك بعلة أنه لم يستكمل دراسة هاذا الباب ولم يستكمل الإحاطة به، بل يكفي للدعوة إلى هاذا الإحاطة بالمجملات، وهو أن يعلم الإنسان وجوب إفراد الله بالعبادة وأنه لا يجوز أن يصرف شيئًا من العبادة لغير الله عز وجل. هاذا وجه.

الوجه الثاني: أن من سبل تحقيق التوحيد ومن طرق السلامة من الشرك أن يدعو الإنسان إلى التوحيد، فإن من دعا إلى شيء امتلأ قلبه به وصلب فيه، بخلاف من أدرك الشيء في ذهنه وعمل به في نفسه دون أن يدعو إليه غيره، فإن هاذا أقل صلابة فيما هو فيه. ولذلك لاحظ نفسك إذا قرأت بابًا من العلم ثم يسّر الله لك أن تعلم هاذا العلم إما في كلمة أو في درس أو في خطبة أو في غير ذلك من وسائل التعليم، تجد أنك أرسخ في هاذا الذي علمت من أبواب العلم منك في غيره، والسبب أن التعليم تثبت به المعلومات وتستقر به قدم صاحبه، فالدعوة إلى التوحيد من أعظم وسائل الثبات عليه، وكذلك هو من وسائل الحذر من الشرك.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام