الصفحة 890 من 952

أما مناسبته للباب الذي قبله: فما ظهر لي في ذلك شيء.

قال -رحمه الله-: (وقول الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [1] هاذه الآية أمر الله -جل وعلا- فيها بحفظ اليمين، وحفظ اليمين يكون بأمور:

يكون أولاً: بأن لا يبذلها إلا عند الحاجة إلى ذلك، ثم إذا حلف فمن حفظ يمينه أن لا يحلف إلا بالله؛ لأن الحلف بغيره محرم، ثم إذا حلف فالواجب عليه أن يحلف صادقًا بارّاً بيمينه، فلا يحلف في كذب أو ظلم أو جور، ثم إذا خالف يمينه- حنث- فحفظها بأن لا يتركها من غير تكفير، بل يكفر إذا كان قد حنث في يمينه.

هاذه بعض الأمور التي يحصل بها حفظ اليمين، والمقصود بحفظ اليمين في هاذا الباب، أو الشاهد في هاذه الآية لهاذا الباب أن من حفظ اليمين عدم الإكثار، ألا يكثر الإنسان الحلف من غير موجب.

قال رحمه الله: (عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول:(( الحلف منفقة للسلعة ) ).) (( الحلف ) )اليمين التي يحلف بها الإنسان.

(( منفقة للسلعة ) )أي: سبب لنَفَاق السلعة، والنفاق: هو الرواج والذهاب، فمن أسباب ذهاب السلع ورواجها عند الباعة أن يحلفوا عليها، لكن هاذا النَّفَاق لا يحصّل به الإنسان خير الدنيا، ولا خير الآخرة، ولذلك قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( ممحقة للكسب ) )تذهب السلعة، وما ينتج من كسب فإنه ممحوق زائل البركة لا يجني الإنسان منه نفعاً، بل شرّه باقٍ وخيره ذاهب.

شره: إثمه في الآخرة، وإفساده لكسبه في هاذه الدنيا، وهاذا معنى قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ-: (( ممحقة للكسب ) ).

ولذلك ينبغي للمؤمن أن يحفظ يمينه، وألا يجعلها سبباً لنفاق السلع بالكذب والتزوير، بل يجب عليه أن يصدق، وألا يحلف إلا إذا اقتضى ذلك مقتضٍ يدعو إليه.

قال رحمه الله: (أخرجاه) أي: البخاري ومسلم.

(1) سورة: المائدة، الآية (89) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام