هاذا الحديث أتى به المؤلف -رحمه الله- لبيان أن خوف الشرك لا يكون فقط على من ضعُف إيمانه وقلّ يقينه، بل يجب أن يخاف الشرك كل أحد، فإذا كان إمام الموحدين إبراهيم -عليه السلام- خافه على نفسه وعلى ذريته فغيره أحقّ بهاذا الخوف؛ لهاذا قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ) ). يعني: أشد ما أخاف عليكم من الأمور الشرك الأصغر، وذلك أن الشرك الأصغر يخفى كثيرًا ولا يتنبّه له الإنسان، كما قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( الشرك في أمتي أخفى من دبيب النملة السوداء على الصفاة الصماء في الليلة الظلماء ) ). وهاذا خفي جدّاً يعسر إدراكه ويصعب تبينه، ولا يمكن أن يتوقى منه الإنسان إلا بشدة الحذر ودوام المراقبة وكثرة الاستغفار والاستعاذة بالله من الشرك، ولذلك لما سأل أبو بكر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن سبيل النجاة من هاذا الشرك الدقيق الخفي قال: (( أن تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم ) ).
وقد فسّر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشرك الأصغر في هاذا الحديث بـ (( الرياء ) ).
والرياء: هو أن يعمل العمل لأجل أن يُرى، لا طلبًا لما عند الله عز وجل وطلبًا لمرضاته وابتغاء لوجهه، إنما لأجل أن يراه الرائي، وتفسير النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للشرك الأصغر بـ (( الرياء ) )هو تفسير بالمثال، وإنما ذكر الرياء دون غيره من الشرك الأصغر لأنه أخطرها وأكثرها انتشارًا وأقلها تنبّهًا، فإن الناس لا يتنبهون إليه؛ لخفائه واختلاطه وكونه لا يظهر. وأما تعريفه العام الذي ينتظم الصور فهو ما تقدّم من أن كل وسيلة تفضي إلى الشرك الأكبر فإنها من الشرك الأصغر.