فمنهم من قال: إن المراد بالشرك في هاذه الآية الشرك الأكبر، وجعل هاذه الآية نظير قول الله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلَّظَالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [1] وهاذه الآية اتفاق أهل العلم منعقد على أن المراد بالشرك فيها هو الشرك الأكبر، وقال: هاذه مثلها، وهاذا قول لشيخ الإسلام رحمه الله في موضع.
والقول الثاني: أن الآية تشمل نوعي الشرك: الشرك الأصغر والشرك الأكبر، فكلاهما لا يغفر؛ لأن أَنْ والفعل الذي دخلت عليه في تأويل مصدر تقديره إشراكًا، إن الله لا يغفر إشراكًا به، وإشراكًا نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، ومقتضى هاذا أن يدخل في الآية كل أنواع الشرك.
وهاذا القول الثاني قال به شيخ الإسلام في موضع، وقال به الشيخ عبد الرحمان السعدي رحمه الله في كلام له.
وعلى كل حال الشرك الأصغر أمره عظيم وخطره جليل، وظاهر الآية يشمل الشرك الأصغر، فإن لم يدل الإجماع على أن الشرك الأصغر ليس داخلاً في الآية فالأصل إجراء اللفظ على ما دل عليه من العموم؛ لأن الأصل عدم التخصيص.
لكن هل معنى هاذا أن الشرك الأصغر يوجب الخلود في النار؟
الجواب: لا، فإن هاذا مما يفارق فيه الشرك الأصغر الشرك الأكبر. الشّرك الأصغر يفارق الشرك الأكبر في أن الشرك الأكبر يوجب الخلود في النار، وأما الشرك الأصغر فلا يوجب الخلود في النار، هاذا فرق.
الفرق الثاني: أن الشرك الأصغر لا يخرج به صاحبه من الإسلام، والشرك الأكبر يخرج به صاحبه من الإسلام.
الفرق الثالث: أن الشرك الأصغر في الوسائل، والشرك الأكبر في المقاصد، يعني: في العبادات.
ولذلك الشرك الأكبر هو صرف أي عبادة لغير الله عز وجل، أن يجعل لله ندّاً بأن تصرف له العبادة.
(1) سورة: المائدة الآية (72) .