هاذا في حق مَنْ؟ آدم، لكن قال الله -عز وجل- هل ذكر ذلك خاصّاً في آدم؟ لا، جاء الخبر عامّاً في آدم وغيره، ولكن يُعلم أنه ليس هاذا في غير آدم -عليه السلام-، فإن بقية الخَلق قال الله فيهم: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [1] . فالنطفة التي في قرارٍ مكين هي حال الجنس، أما الشخص فحاله أنه سلالة من طين، وهاذا نظائره كثيرة في القرآن لمن تأمَّل ونَظَر، فإنّ النصوص قد تستَطْرد من الشخص إلى الجنس، وهاذا أحد المواضع والشواهد، فإن الله -عز وجل- ذَكَر أوَّلَ ما ذَكَر في هاذه الآية خَلْقَ الإنسان: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} [2] . الآن انتقل إلى الجنس لا إلى الشخص؛ لأن التَّغَشِّي لا يكون فقط خاصّاً بآدم وحواء عليهما السلام، بل هو عام للجميع، فيكون انتقل النص من الشخص إلى الجنس.
وهاذا القول لا شك أنه قول وجيهٌ قوي يندفع به ما يَرِد على التفسير الذي ذكره الشيخ -رحمه الله- نقلاً عن المفسرين، يندفع به الشيءُ الكثير، ولذلك ذكر جماعة من العلماء أن هاذا الذي ذُكر في الكتب، بل حتى ما ورد عن سَمُرَة الظاهر أنه من أخبار بني إسرائيل، ولذلك سمرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لم يذكر هاذا في تفسير الآية مرفوعًا إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بل فسرها بغير ذلك، ووَرَد أيضًا تفسيرُها بغير هاذا عن الحسن الذي روى عن سمرة، فلو كان ثابتًا عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما عَدَلا عنه إلى غيره.
إذاً: نخلُص من قوله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا} إلى أن مرجِع الضمير في الآية فيه كم قولاً؟ فيه قولان، أن مرجع الضمير فيه قولان:
(1) سورة: المؤمنون، الآيات (12 - 13) .
(2) سورة: الأعراف، الآية (189) .