وقد اختلف أهل العلم في سبب اعتذار النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن إجابة هاذا السائل. فمنهم من قال: إن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يجبه سدّاً للذريعة أو سدّاً للباب؛ لأنه لو أجابه لقال آخر: ادع الله أن يجعلني منهم، ثم انفتح الباب وصار كل أحد يسأل رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يدعو الله أن يجعله منهم، ولا ينتهي الأمر عند حد، فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهاذا الرجل: (( سبقك بها عكَّاشة ) )سدّاً للباب. وهاذا جواب لا بأس به.
أجاب آخرون فقالوا: إن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما امتنع من إجابة سؤال هاذا السائل لأنه كان منافقًا. وهاذا الجواب غير سديد؛ وذلك لأنه جاء في بعض الروايات أن السائل سعد بن عبادة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وسعد من كبار الأنصار، وفي رواية أن السائل أحد المهاجرين، وليس في المهاجرين منافق. وعلى كل لو لم تثبت تلك ولا هاذه فإن الأصل في الصحابة أنهم عدول، ثم إنه يبعد غاية البعد أن يصدر هاذا السؤال من منافق، بل الغالب والقريب أن هاذا سؤال مؤمن مصدق وليس سؤال منافق مكذب، فهاذا الجواب جواب ظاهر الضّعف؛ لما تقدم.
أجاب شيخ الإسلام رحمه الله وغيره بأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يجب هاذا الرجل إلى سؤاله لأنه أوحي إليه أنه لا يجاب إلا في عكاشة، فلما علم أنه لا يجاب إلا في عكاشة قال: (( سبقك بها عكاشة ) ). وهاذا جواب لا بأس به. والذي يظهر أن الجواب الأول هو أولى الأجوبة.