الحال الثانية: أن يضيفها إليه على أنه سبب مع الغفلة عن المُسَبِّب الذي هو الله جل وعلا، الذي هو أصل كل شيء، فهاذا شرك أصغر، ويلتحق بهاذا ما لو أضاف إلى سبب غير حسي، يعني: سببًا غير صحيح، لا في الحس، ولا في الشرع، إذا أضاف إلى سبب غير صحيح لا في الحس ولا في الشرع، فإنه أيضًا شرك أصغر إذا اعتقده سببًا.
الحال الثالثة: أن يضيف إلى السبب الحقيقي على وجه الانفراد على أنّه سبب، مع أن قلبه ممتلئ بذكر الله جل وعلا، وأنه هو مسبب الأسباب، ومقدّر الأشياء، وأنه لولا إرادته وتقديره وخلقه لما كان، فهاذا حكمه فيه خلاف بين العلماء:
منهم من يرى عدم جواز إفراد السبب بالذكر، ولو كان سببًا صحيحًا.
ومنهم من يرى جواز ذلك.
وظاهر السّنة يدل على جواز ذلك، ومنه قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث العباس لما سأله عن أبي طالب، لما سأل العباس رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أبي طالب: ما نفعه؟ قال: (( إنه في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ) ).
فقال: لولا أنا، ولم يقل: لولا الله ثم أنا، فهاذا فيه ذكر السبب الصحيح على وجه الاستقلال، لكن مع اعتقاد أن الله هو مُسَبِّب الأشياء ومقدّرها، وأنه لا خروج للعبد عن تقدير الله عز وجل، فهاذا لا بأس به، وهو جائز.
إذًا: الأقسام ثلاثة، وأما من منع فقد قال: إن نهي السلف في مثل هاذا يدل على أنه لا يُذكر السبب الصحيح استقلالاًًًًً، وهو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله.
ثم قال: (وقال ابن قتيبة: يقولون: هاذا بشفاعة آلهتنا.)
(هاذا) أي: ما هم فيه من نِعَم، وما حَصَّلُوه من خير.
(بشفاعة آلهتنا) أي: بتوسط آلهتهم التي يتوجهون إليها بالعبادة، ولا شك أن هاذا كفر بالله عز وجل، من أي أنواع الكفر؟ من الكفر الأكبر؛ لأنهم اتخذوا من دون الله آلهة، حيث قالوا: (هاذا بشفاعة آلهتنا) .