الصفحة 69 من 952

وقال بعضهم: (( لا يسترقون ) )أي: لا يستعملون الرقى الجاهلية، فالرقية معروفة في الجاهلية، ولذلك لما سأل الصحابة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الرقى قال: (( اعرضوا علي رقاكم ) ). فهو أمر معروف قبل الإسلام، فحملوا قوله: (( لا يسترقون ) )على ما كان في الجاهلية. هاذا احتمال ثانٍ.

احتمال ثالث قالوا: لا يستعملون الرقية قبل وقوعها، أي: قبل وقوع موجبها وهو المرض. ... هاذه أوجه ثلاثة للجواب عن الإشكال، والحقيقة أنه لا يرتفع بها الإشكال:

أما كراهية التداوي: فالتداوي ليس بمكروه، التداوي تجري فيه الأحكام الخمسة، وسيأتينا إن شاء الله تعالى ذلك.

أما قولهم بأن المقصود بالرقى هنا الرقى الجاهلية: فليس فيه ما يدل على هاذا التقييد، فقوله: (( لا يسترقون ) )عام في الرقى الجاهلية وفي غيرها.

وأما قولهم: إن هاذا في الرقية قبل نزول المرض، فلا يُسَلَّم هاذا؛ لأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يرقي نفسه ويعوذ الحسن والحسين، ومن أذكار النوم أن يقرأ الإنسان وينفث في يده ويقرأ الإخلاص والمعوذتين ويمسح بهما ما استطاع من جسده، وهاذا نوع من أنواع الرقية سواء كان مريضًا أو غير مريض، فالرقية مشروعة للرفع والدفع كما سيأتي.

إذاً ما الجواب على هاذا الإشكال في قوله: (( لا يسترقون )

الجواب: ما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- في قوله:"وهو أن الحديث أشار إلى أن من تمام التوكل والتوحيد ترك طلب الدّعاء من الغير، فإن الاسترقاء هو طلب الدعاء من الغير، فالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر في وصف هؤلاء أنهم لا يطلبون الدعاء من الغير، أما إذا رقوا أنفسهم فإنهم فعلوا مشروعًا مندوبًا فعله رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكذلك إذا رقوا غيرهم فقد أحسنوا إلى غيرهم، والإحسان قد أمر الله به."

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام