(( فقيل لي: هاذا موسى وقومه. فنظرت فإذا سواد عظيم ) ). وإذا السواد العظيم أعظم من السواد السابق. (( فقيل لي: هاذه أمتك ) )والمقصود بالأمة هنا أمة الإجابة، أي: من أجابه في دعوته. (( ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ) ). وهاذا فيه فضيلة هاذه الأمة على غيرها من الأمم، فإنّهم سواد عظيم، وفيهم هاذا العدد الكبير ممن قال فيهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( إنهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ) )، وهاذا فضل الله يؤتيه من يشاء. قوله: (( بغير حساب ) )واضح، أي: إنهم لا يحاسبون على أعمالهم، وأما قوله: (( ولا عذاب ) )فهاذا بيان لأن نفي الحساب لأمنهم من العقوبة، وليس لكونهم كحال أهل الكفر الذين لا يقيم الله -عز وجل- لهم وزنًا، فإنه لا يقيم لهم وزنًا لكونه لا حسنات لهم، وأما هؤلاء فلا حساب لهم لعظيم ما جاؤوا به من التوحيد كما سيتبين إن شاء الله.
قال: (ثم نهض فدخل منزله) أي رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فخاض الناس في أولئك، فقال بعضهم:) أي الصحابة تكلموا في تعيين هؤلاء، (فقال بعضهم: لعلهم الذين صحبوا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقال بعضهم: لعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئاً) . هاذا احتمال آخر (وذكروا أشياء) أي احتمالات أخرى طوى الراوي ذكرها، وإنما اقتصر على أبرز وأهم ما ذكر صحابة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ومن هاذا المقطع في هاذا الخبر يتبيّن لنا عميق فقه الصحابة، فإنهم جزموا وأيقنوا أن هاذا الفضل لا يحصل بلا عمل، بل لا بد من عمل يكون أجره وثوابه هاذا المفهوم، ولذلك اختلفوا وخاضوا في صفة المستحِق لهاذا الفضل: ما هي صفة هولاء الذين يدخلون الجنة من غير حساب ولا عذاب؟