وقوله: {يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} يخالفون: من المخالفة، والمخالفة هي سلوك طريق غير الطريق المخالَف، أي المغايرة في السير والمشي والمَسْلَك، فالمقصود بالمخالفة هنا: هو أن يسلك الإنسان طريقًا وأن يمشي مشيًا مخالفًا لما عليه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولما عليه أمر الله جل وعلا.
الأصل في هاذا الفعل أن يتعدى بنفسه، لكنه ورد في القرآن مُعَدّىً بـ (عن) ومُعَدّىً بـ (إلى) ، المُعَدَّى بـ (عن) يفيد معنى الصدود، والمعنى: فليحذر الذين يصدون عن أمره، وهاذا فيه زيادة على المخالفة، إذ إنه مخالفة وزيادة، فقوله: {يُخَالِفُونَ} مُضَمَّن معنى الصدود ولذلك عَداهُ بـ (عن) ، وأما المخالفة إلى كذا فهي بمعنى الذهاب، الذهاب إلى الشيء.
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} توعد الله -جل وعلا- الذين يخالفون أمر الله أو أمر رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعقوبتين:
الأولى: الفتنة.
والثانية: العذاب الأليم.
أما الفتنة: فهي ما يكون من المصائب في الأموال والأنفس والبصائر والعقول والآراء، كل هاذا يدخل في الفتنة، فكل ما يصابون به في أموالهم، في نفوسهم، في أهليهم، في بصائرهم وعقولهم وآرائهم، كل هاذا من الفتنة التي تهدد الله -جل وعلا- من خالف أمر الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بها.
وقال بعضهم: الفتنة هي عذاب القلب. والعذاب الأليم في البدن، يعني الفتنة في القلب والعذاب في البدن.
وقال بعضهم: الفتنة في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.
وعلى كل حال الفتنة والعذاب متلازمان، وإنما ذكرهما لبيان أفراد ما ينزل بهؤلاء، فإنهم إذا فتنوا استحقوا العذاب الأليم، فقد ذكر الله -جل وعلا- في هاذا أنَّهم يصابون بابتلاء واختبار، فتكون عاقبة هاذا البلاء والاختبار نزول العذاب بهم.