الصفحة 654 من 952

أما مناسبته لما قبله: فإنه في الباب السابق ذكر -رحمه الله- عبادة الأموال والدنيا في قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} وفي قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة ) ). وفي هاذا الباب ذكر عبادة الرجال، حيث ذكر طاعة العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله، وهناك مناسبة بين البابين؛ لأنه في الغالب إنما تحصل طاعة الرجال طمعًا في حصول الأموال، هاذه المناسبة بين البابين.

يقول رحمه الله: (من أطاع العلماء) .

(من) هنا شرطية، (أطاع) فعل الشرط، (العلماء) المقصود بهم: المنتسبون لأهل العلم، وإلا فإنه لا يمكن أن يكون عالمٌ متحققًا بالعلم، وهو يحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله.

(من أطاع العلماء والأمراء) .

(الأمراء) : من لهم الولاية، وقدَّم العلماء لأن الغالب في التحليل والتحريم يُرجع فيه إليهم، فهم الجهة التي تخبر عن الله عز وجل، ثم ذكر الأمراء بعد العلماء لأن الأمراء هم الجهة التنفيذية في الغالب، فإنهم ينفذون ما يقوله العلماء، ويعملون بما يقوله أهل العلم، فمن أطاع هؤلاء أو هؤلاء (في تحريم ما أحل الله) ، يعني: ما علم حِلَّه، (أو تحليل ما حرمه) ، (فقد اتخذهم) هاذا جواب الشرط (فقد اتخذهم أربابًا) أي: صيرهم أربابًا، وأرباب: جمع رب، والرَّب: هو المالك المتصرف الذي يربي عباده حيث يتدرج بهم -جل وعلا- ليبلغهم درجات الكمال، ومن معاني الرَّب: السيد، المالك، المدبِّر، كل هاذا مما يقال في معاني الرب.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام