الفاعل لذلك وقع في شرك الربوبية؛ لأن الله -جل وعلا- ليس له شريك في الحكم، له الحكم، فكل من شَرَّع بتحريم أو تحليل فقد نازع الله -جل وعلا- في ملكه، ولذلك قال جل وعلا: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [1] . فكل من شرع في الدين، أي: في العبادة والعمل ما لم يأذن به الله، ما لم يشرعه الله -جل وعلا- فقد وقع في الشرك، فالمشرع لدين غير دين الله واقعٌ في شرك الرّبوبية؛ لأنه نازع الله في هاذه الصفة، ولذلك قال الله -جل وعلا- عن اليهود والنصارى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [2] ما قال: آلهةً، قال: أربابًا، أي: صيروهم أربابًا من دون الله؛ حيث إنهم جعلوا لهم التصرف في التشريع، في التحريم والتحليل، في تحريم ما أحلّ الله، وفي تحليل ما حرَّم الله فوقعوا في الشِّرك، أما من حيث المطيع لمن أحلَّ ما حرم الله، أو المطيع لمن حرم ما أحل الله فإنه قد اتخذه ربّاً وإلهًا: ربّاً حيث صرف له ما لا يجوز إلا لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فجعله شريكًا لله في الربوبية، وإلهاً حيث أطاعه وامتثل تحليله وتحريمه، فيكون قد اجتمع في هاذا الباب نوعا الشرك: شرك الربوبية وشرك الإلهية، هاذه مناسبة ذكر هاذا الباب في كتاب التوحيد؛ لأنه يتضمّن الوقوع في شرك الربوبية، وفي شرك الإلهية.
(1) سورة: الشورى، الآية (21) .
(2) سورة: التوبة، الآية (31) .