الصفحة 62 من 952

وكما ذكرنا لكم سابقًا أن التوحيد لا يقر إلا بهذين الأمرين: النفي والإثبات، وهنا نفي وإثبات، الإثبات في قوله: {قانتًا لله} ، والنفي في قوله: {حنيفًا} وهو المائل عن الشرك إلى التوحيد. {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} هاذا تأكيد لمعنى ما تقدم من كونه مخلصًا حنيفًا، فإنه ليس من المشركين في شيء، لم يكن من المشركين في عبادتهم ولا في أحوالهم ولا في شيء من شؤونهم، ليس من المشركين لا حالاً ولا مآلاً: لا حالاً في هاذه الدنيا، فإنه فارقهم أحوج ما يكون إليهم. ولا مآلاً فإنه يفارقهم يوم القيامة، وذلك أن الناس يوم القيامة ينقسمون إلى قسمين: فريق في الجنة وفريق في السعير.

الشاهد من هاذه الآية قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، وبهاذا يحصل للعبد تحقيق التوحيد الذي رتّب الله عليه الفضل في قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب) ، كما سيأتي في حديث حصين بن عبد الرحمان.

الآية الثانية في هاذا الباب قوله: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} . [1]

وتقدم هاذه الآية قوله: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) } [2] فوصفهم بأوصاف، من أخص هاذه الأوصاف أنهم لا يشركون بربهم، ولم يذكر في هاذه الآية المشرَك به: هل هي الأصنام؟ هل هم الصالحون؟ هل هم الأولياء؟ لم يذكر ذلك، السبب: لتعميم كل ما يقع فيه الشرك من الأصنام والأولياء وغيرهم، وهاذه الآية أيضًا من الآيات التي تدل على معنى تحقيق التوحيد، وأنه الخلوص من الشرك.

(1) سورة: المؤمنون، الآية (59) .

(2) سورة: المؤمنون، الآيات (57 - 58) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام