ثم قال رحمه الله -في ذكر الحديث الطويل حديث حصين بن عبد الرحمان-: (كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟) . والكوكب المقصود به الشهب التي يرمى بها، فسأل سعيد بن جبير جلساءه عن الكوكب الذي انقض، فقال حصين بن عبد الرحمان: (فقلت: أنا. أي: أنا رأيته. ثم قلت: أما إني لك أكن في صلاة ولكني لدغت) . وهاذا فيه دفع توهم أنه رآه لكونه قائمًا يصلي، فبيّن أنه إنما وقع منه ذلك لهاذا السّبب، وهاذا فيه خلة وصفة من صفات المخلصين، وهي أنهم لا يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فبيّن الواقع لئلا يظن به ما ليس من عمله وفعله.
(ولكني لدغت. قال: فما صنعت؟) . يعني: لما لدغت ما صنعت؟ (قلت: ارتقيت) . أي: رقيت نفسي، والرقية هنا ظاهرها أنها طلب من الغير، والرقية هي تعاويذ وسيأتي الكلام عليها في (باب ما جاء من الرقى والتمائم) ، المراد أنه قرأ على نفسه كلمات يحصل بها التعوذ. (قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي. قال: وما حدثكم؟ قلت: حدثنا عن بُريدة بن الحصيب أنه قال: لا رقية إلا من عين أو حُمَة) . يعني: لا رقية نافعة، والمقصود بالعين هنا عين الحاسد، (أو حمة) : السم وشبهه، سم العقارب والحيات وما أشبه ذلك.
ثم قال له سعيد -لما بَيَّن له ما صنع وما حمله على ذلك الصنع-: (لقد أحسن من انتهى إلى ما سمع) . يعني: من كان نهاية عمله ومنتهى حاله أن يعمل بما بلغه من خبر فقد أحسن. ثم بعد أن أثنى على وقوفه على ما سمع وعمله بما أخذ نقله إلى درجة أعلى، قال: (ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال:(( عرضت عليّ الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد ) )).
هاذا خبر من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه عرضت عليه الأمم، وقد اختلف أهل العلم في وقت هاذا العرض متى كان؟