الصفحة 610 من 952

فالباب السابق تكلم فيه المؤلف -رحمه الله- عن الصبر، والذي قبله عن الأمن من مكر الله، والذي قبله عن الخوف والتوكل، كل هاذه من أعمال القلوب، ومن جملة ذلك الإخلاص.

والقلب له قول وعمل، ولذلك من أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، فالبحث الآن في أعمال القلوب، ولذلك أتى بما يتعلق بالرياء.

هاذا من حيث مناسبة الباب لكتاب التوحيد، ومناسبة الباب للباب الذي قبله.

وأما معنى الرياء، فالرياء: مشتق من الرؤية، وهو فِعَال من (رأى يرى رؤية) ، على وزن فِعَال، ومعناه: إظهار العمل ليراه الناس، هاذا من حيث اللغة، فهو إظهارٌ للعمل ليراه الناس.

ومن هاذا نفهم أن الرياء يقترن بالعمل، بخلاف العجب والمن، وغيرهما مما يبطل العمل، فإنه قد لا يقترن بالعمل، يأتي بعده وقد يصاحبه، أما الرياء فإنه يقترن بالعمل، يلازم العمل، فإذا انقضى العمل انقضى الرياء.

أما من حيث معناه في كلام العلماء: فالعلماء لهم طرائق متعدّدة في تعريف الرياء. منهم من يوسِّع في معنى الرياء، فيدخل عمل العبادة لأجل الدنيا، وهاذا يشمل العمل لأجل المال، العمل لأجل الجاه، العمل لأجل المنصب، العمل لأجل الذكر، وهاذا معنًى واسع للرياء.

ومنهم من يضيِّق، ويجعل الرياء هو: إظهار العمل لحمد الناس، يعني: ليحصِّل حمدَ الناس وثناءَهم. ومقاصد الرياء تنحصر في أمور ثلاثة: حصول التعظيم، وجلب مصلحة، ودفع مضرة.

فهاذه المعاني الثلاثة إذا تأملت في مقاصد المرائين ترى أنها لا تخرج عن هاذه المقاصد الثلاثة: إما أن يعمل العمل ليراه الناس فيعظموه، أو يعمل العمل ليراه الناس ليجلب به منفعةً، أو يعمل العمل ليراه الناس ليدفع عنه مضرة.

وأما حكمه: فالرياء يختلف حكمه باختلاف نوعه، فالرياء أنواع وليس نوعًا واحدًا، وأنواعه باعتبار الشيء الذي يطرأ عليه الرياء، وسيأتي تفصيله بعد قليل.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام